الأحد , ديسمبر 22 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / اراء / القمة الكروية العربية

القمة الكروية العربية

رامي الشاعر*
شهدت مباراة المنتخبين المغربي والجزائري في نهائي بطولة كأس العرب للمنتخبات تحت سن 17 عاما أحداثا مؤسفة، تبادل خلالها الفريقان الضرب، وسط تضارب في الأنباء حول البادئ بالشجار.
لم يسفر شجار الصبيان عن ضحايا أو قتلى لا قدر الله، وإنما أصدر الاتحاد العربي لكرة القدم عقوباته بحق الاتحاد الجزائري، حيث دارت أحداث المباراة في وهران غربي الجزائر، وبحق الفريقين بالتساوي.
لا أعتقد أنني بحاجة لشرح العلاقة المشتبكة والحساسة بين الجارتين العربيتين المغرب والجزائر، والحرب الدبلوماسية الدائرة بينهما، والتي أفضت مؤخرا (أغسطس 2021) إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلا أنني فقط أود الإشارة إلى أن اقتصاد البلدين يتكبد خسائر سنوية بعشرات المليارات من الدولارات بسبب القطيعة.
لكني أشد على يد الملك محمد السادس إذا صدق ما كشفت عنه “مصادر مطلعة” لمجلة “جون أفريك” الباريسية ومصادر “دبلوماسية رفيعة” ليومية “الشرق الأوسط” اللندنية بأنه سوف يشارك في القمة العربية المنعقدة في الجزائر، مطلع نوفمبر المقبل، لأن ذلك ربما يفتح صفحة جديدة، ما أحوجنا جميعا إليها، في مستقبل العلاقات بين الرباط والجزائر.
من جهته، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن القمة العربية في الجزائر تنعقد في وقت حساس، مشدداً على ضرورة تجاوز الخلافات العربية البينية. وجاء ذلك عقب زيارته الهامة لدولة قطر، تتويجاً للمباحثات المكثفة المتبادلة خلال الفترة الأخيرة بين البلدين، وتكريسا للمصالحة التي تمت مطلع 2021، والتي عززتها زيارة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى القاهرة في يونيو 2021.
وفي حوار له مع وكالة الأنباء القطرية، أكد السيسي على “حتمية استعادة عدد من المبادئ والمفاهيم في منطقتنا العربية، في مقدمتها التمسك بمفهوم الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول، وعدم التعامل بأي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وفي المقابل دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات العسكرية”، مشيرا إلى أهمية “تعزيز سلطة المؤسسات المركزية لعدم ترك أي مساحة أو فراغ لأي قوى خارج هذا الإطار للعبث بمقدرات الدول العربية وشعوبها، وغلق الباب أمام أي تدخلات خارجية، إلى جانب التمسك بمبدأ المواطنة كعنصر أساسي للحفاظ على السلام المجتمعي”.
وأتفق تماما مع الرئيس السيسي في أن تلك بالفعل هي المبادئ العامة التي تتمحور حولها كافة مشاكل المنطقة العربية، ونشاركه الأمل في أن يكون ذلك هو الإطار الذي يتم التعاون من خلاله مع الإخوة والأشقاء العرب خلال القمة المقبلة.
ومع اقتراب موعد القمة المرتقبة، أتمنى أن يبادر الزعماء العرب خلال الأيام والأسابيع المقبلة بإبداء آرائهم ومقترحاتهم بشأن جدول الأعمال، الذي أرجو أن يتضمن ما يجمع ولا يفرق، وأن يتمكن الزعماء من إيجاد أرضية مشتركة لحل المشكلات التي تعج بها المنطقة استنادا إلى المفاهيم التي طرحها السيسي، والتي نحتاج حقا إلى استيعابها وإدراك جوهرها.
فكل ما نرى من توترات واحتجاجات ومظاهرات وانقسامات وصراعات وحتى حروب أهلية بين الأخوة، إنما يأتي تجسيدا إما لتدخلات خارجية، ناتجة عن فراغ سياسي داخلي، أو عن تخلخل في سلطة المؤسسات المركزية، أو عن فهم مبتسر لمبدأ المواطنة، والموازنة بين حق المواطن على الدولة، وواجبه تجاهها، ونطاق حرياته الذي لا يجب أن يتقاطع أو يتطاول على جاره المواطن أو على الدولة، سعيا لتأسيس نظم ديمقراطية حديثة تواكب العصر، وتواجه التحديات الجديدة التي يفرضها النظام العالمي متعدد القطبية الذي بصدد التكوين في الوقت الراهن.
وعلى الرغم من تفاؤلي الشديد بالقمة في الجزائر، نتيجة للجهود الجبارة التي تبذلها قيادة البلاد في إنجاح “قمة لم الشمل” لتصبح بحق “ردا عربيا عمليا” على مستجدات الوضع العالمي الراهن، إلا أن درجة التفاؤل بدأت في الأفول لما علمت من عدم مشاركة سوريا، وهو ما تتحمله القيادة السورية في دمشق، بعد أن أبلغت الجزائر بحرصها على “المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”، ولهذا السبب فإنها (سوريا) “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية” على حد تعبير وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد.
إلا أن تصريح الرئيس السوري، بشار الأسد، في حديثه مع قناة RT، يونيو الماضي، حينما أعرب عن اعتقاده بأن جامعة الدول العربية لم تحقق شيئاً خلال العقود الثلاثة الماضية، بل كانت خلال الأعوام العشرة الماضية “غطاءً للعدوان على ليبيا، وللعدوان على سوريا، ولكل عدوان آخر”، هو ما يثير القلق بشأن مستقبل العلاقات بين سوريا وجامعة الدول العربية، التي بإمكاننا أن ننتقدها، ونسعى لإصلاح هياكلها أو منهجيتها، إلا أنها تظل في نهاية المطاف المكان الجامع لنا نحن العرب، ونحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
فسوريا بحاجة إلى الجامعة العربية تماما كما تحتاج الجامعة العربية إلى سوريا، والموقف العربي يزداد صلابة وقوة ومناعة ومقاومة بوجود سوريا إلى جانب مصر والعراق والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والمغرب العربي. وهذا ما يكسب هذا التكتل السياسي وزناً وقيمةً وثقلاً في عالم تتغير موازين القوة فيه، مع ظهور تكتلات جديدة، ولدى منطقتنا إضافة إلى إفريقيا فرصة سانحة أن تشق طريقها سريعاً نحو الحداثة والتنمية والتقدم، بمساعدة تكتلات أخرى مثل “بريكس” و”منظمة شنغهاي للتعاون”.
ما أحبطني كذلك كان عدم التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الانقسام الفلسطيني، حيث اقتصرت نتيجة محاولات القيادة الجزائرية المضنية لاستعادة الوحدة الفلسطينية على صورة تجمعهم فقط، وأنا أدرك مشقة التفاوض جيدا، بعدما خضنا مثل هذه الجولات في موسكو من قبل، إلا أن الوقت، فيما يبدو، لم يحن بعد. ترى هل يدرك الإخوة في الأراضي المحتلة حجم التغيرات التكتونية التي تجري في العالم، وتحتاج بشدة إلى الوحدة واللحمة الوطنية، وتنحية الخلافات السياسية جانبا؟
ما يقلق بشدة كذلك الوضع العراقي، الذي يقترب من حافة الهاوية، وينذر بدوامة جديدة من العنف، ما لم تجد النخب السياسية مخرجا من الأزمة السياسية الراهنة، التي انتهت بـ “انسحاب” الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، وهو ما خفف مؤقتا من حدة المشهد السياسي، دون أن تهدأ النيران الحبيسة في الصدور.
إن كثيرا من بلداننا العربية لا زالت تسمح للقوى الخارجية بالتحكم في بعض مؤسساتها، وبخاصة الإعلامية، وهو ما يسمح لتلك المؤسسات، وبالتالي لتلك القوى الخارجية في تعميق الخلافات في وجهات النظر والمواقف، ولعل المثال الأبرز هنا هو موقف المنطقة من إيران.
ولا يعني ذلك بالمرة الوقوف ضد حرية الإعلام وتكميم الأفواه وقمع الحريات، وإنما يعني أن أبواق الإعلام الموجه، والمسيطر عليها من الخارج، ومن مركز واحد، يجعلنا لا نسمع سوى رأيا واحدا، هو رأي ذلك المركز الذي يبث علينا ليل نهار ذلك الرأي دون سواه.
اتضح ذلك ويتضح جليا في رسم وسائل الإعلام العربية، والتي تتلقى شريط أنبائها وربما “تعليماتها” من وسائل الإعلام الغربية، لمشهد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ووصفها تارة بـ “الغزو” وتارة أخرى بـ “العدوان” وتارة ثالثة بـ “الاحتلال”، حتى أن أحد سفراء الدول العربية لدى روسيا، في لقاءاته الخاصة، كان يجزم ويؤكد على “هزيمة روسيا” وعدم وجود أي خيارات أخرى سوى “انتصار أوكرانيا والناتو”، دون أن يمثل ذلك الموقف موقف الدولة التي يمثلها هذا السفير، والتي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا، وتستقي معلوماتها الرسمية من الأجهزة الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية الروسية والكرملين ووزارة الدفاع الروسية. أما صاحبنا الدبلوماسي، فلا شك أنه يجلس أمام وسائل الإعلام، وما أكثرها، التي تسيطر عليها واشنطن، ليتلقى منها جرعات من الدعاية الغربية المضللة، والتي تتضمن أكاذيب وفبركات تفضحها قنوات تطبيق “تليغرام” الذي أصبح في الفترة الأخيرة أحد المصادر الهامة والموثوقة إلى حد كبير دون منع أو حجب أو مصادرة، بعد أن توقفت مواقع “يوتيوب” و”فيسبوك” و”تويتر” عن بث أغلبية القنوات الروسية الرسمية، أو على أقل تقدير وضع وسم أعلاها بأنها “وسيلة إعلام دعائية تتبع الحكومة الروسية”. على أي حال، سامح الله هذا السفير العربي على ضلاله، إلا أنني أؤكد مرة أخرى ما ذكرته بإحدى مقالاتي، التي نشرت مؤخراً على صفحات صحيفة “رأي اليوم” أن روسيا لا تهزم، وكل ما يتم تداوله في الأيام الأخيرة بهذا الشأن غير صحيح، ولا يهدف سوى إلى تشويه سير العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والانتقاص من هيبة روسيا.
لذلك فإن الحرب الإعلامية الدائرة هي حرب عالمية ثالثة بشكل من الأشكال، حيث تدور رحاها ليس فقط في أوروبا حيث تجري العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية، وإنما أيضا في جميع أنحاء العالم، حيث يسعى الغرب لتشويه من يختلف معه بكل الوسائل الممكنة.
نحتاج في منطقتنا العربية على أعتاب القمة العربية المرتقبة نوع فريد من الزعماء الحكماء الجراحين المهرة، ليقوموا بعمليات جراحية سياسية تحتاجها المنطقة، عمليات صعبة وبلا تخدير، إلا أنها ممكنة، بل حتمية وضرورية في ظل الوضع العالمي الراهن شديد الحساسية والذي يلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، وفي توقيت تحتاج فيه الشعوب العربية إلى قادتهم مجتمعين تحت قبة جامعتهم العربية التي تجمع ولا تفرق، وحيث تتكامل الدول العربية لتبني وتعمر وتصلح ما أفسده التاريخ وأفسدته السياسة.
أظن أن أكثر ما تحتاجه القمة العربية في الجزائر، هو ذلك الوسم “الهاشتاغ”، الذي ابتكره بعض المثقفين ونشطاء المجتمع المدني من الجزائر والمغرب، إيمانا منهم بأن ما يربط الشعبين الجزائري والمغربي أكثر مما يفرقهم، وأن الشعبين يريدان الأخوة وليست العداوة: “خاوة خاوة ماشي عداوة”، ويعني الوسم باللغة العربية الفصحى: إخوة إخوة وليس أعداء. هذا بحق ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى في منطقتنا العربية.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

ترمب ومعضلات الشرق الأوسط!

د. سنية الحسيني* من الواضح أن الشرق الأوسط الذي خرج منه دونالد ترامب في مطلع …