عوض بن سعيد باقوير *
الحرب في اليمن تدخل عامها السادس دون حل سياسي يعيد للبلد الشقيق استقراره وأمنه ووحدته الوطنية والرجوع إلى مسألة الحوار للوصول إلى قناعات مشتركة تدفع باليمن إلى آفاق جديدة قوامها السلام وإعادة الإعمار وأن تكون اليمن بتاريخها وحضارتها لاعبا أساسيا في منظومة المنطقة وتحديدًا الجزيرة العربية وأيضًا المنظومة العربية والدولية.
الجهود العمانية
تنطلق السلطنة في جهودها المخلصة لإيجاد حل توافقي بين الفرقاء في اليمن من خلال ثوابت راسخة للديبلوماسية العمانية منذ أكثر من نصف قرن ومن خلال رؤية سديدة تنطلق من أن الحروب بشكل عام لها نتائج كارثية على الشعوب وهو ما حدث خلال السنوات الست من اندلاع الحرب في اليمن ومن هنا فإن جهود السلطنة متواصلة منذ اندلاع تلك الحرب من خلال النشاط السياسي المكثف مع أطراف الصراع داخل اليمن وخارجها وهو ما تؤكده التحركات الأخيرة، حيث وجود متكرر للمبعوث الأمريكي لليمن وأيضا المبعوث الأممي لليمن وكذلك الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية اليمني لمسقط ، وأيضا زيارة الوفد العماني إلى صنعاء من المكتب السلطاني علاوة على حوارات غير معلنه بين أنصار الله «الحوثيين» والأشقاء في السعودية في مسقط وهناك شعور واضح بأن الحرب في اليمن وصلت إلى مرحلة خطيرة علاوة على أن الحسم العسكري لها أصبح من المستحيلات في ظل تداخل تلك الحرب بين أطراف محلية وأخرى إقليمية ودولية.
من الأمور المهمة التي تجعل جهود السلطنة متواصلةً هي البعد الجغرافي والتاريخي والأمني فأي حرب على حدود أي دولة تجعل المخاطر عالية على أمنها الوطني على المدى المتوسط والبعيد وهذا جزء أصيل من استراتيجية الدول علاوة على البعد الإنساني، حيث يرتبط الشعب العماني والشعب اليمني بعلاقات تاريخية ووشائج اجتماعية وبعد جغرافي وقبلي مهم خاصة بين جنوب السلطنة وجنوب اليمن. كما أن الأوضاع الإنسانية وصلت إلى مرحلة خطيرة، حيث تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى أوضاع حياتية صعبة ومعقدة يعيشها الشعب اليمني على الصعيدين المعيشي والصحي وإغلاق المطارات والموانئ مما جعل اليمن الشقيق وشعبه يعيش وضعًا مأساويًا يعد الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعلى ضوء تلك العوامل الموضوعية تدرك السلطنة ضرورة التحرك بدون كلل رغم تعقيدات الموقف العسكري والسياسي وسوف تتواصل تلك الجهود حتى يتحقق أهم حدث وهو وقف إطلاق النار بشكل كامل كمرحلة ضرورية لتنطلق بعدها المحادثات في جو من الإيجابية والحرص على سلامة الأمن ووحدة أراضيه وهناك قناعة لدى السلطنة قيادة وشعبًا أن الحرب في اليمن كانت وبالا على الشعب اليمني وأنه من الحكمة وقفها في هذه المرحلة. وتلك الجهود العمانية تلقى التأييد والقبول من كل الأطراف اليمنية والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وأيضا الأطراف الإقليمية خاصة المملكة العربية السعودية الشقيقة. ومن هنا فإن الأمل كبير في وقف الحرب الكارثية في اليمن من خلال تلك التحركات والجهود العمانية الصادقة.
المسؤولية اليمنية
وقف الحرب في اليمن هي مصلحة يمنية في المقام الأول، حيث يعاني الشعب اليمني الأمرين خلال مسار تلك الحرب الكارثية وعلى السياسيين اليمنيين تقع مسؤولية تاريخية ووطنية كبرى وإن الخلافات بين الفرقاء أمر وارد خلال أي صراع ومع ذلك فإن اليمن الآن هي في مفترق طرق من خلال كم الجهود السياسية التي تبذل على كل الأصعدة وأمام تلك الجهود المخلصة من السلطنة والدول الأخرى فإن ثمة مشهدًا جديدًا الآن في اليمن في ظل متغيرات مهمة في مقدمتها الإدارة الأمريكية الجديدة. وهناك مزاج سياسي جديد تشكل في الآونة الأخيرة بعد حل الأزمة الخليجية وأن اليمن جزء أصيل من منظومة أكبر في المنطقة. ومن هنا فإن أطراف الصراع في اليمن لابد أن تتجاوب مع تلك المتغيرات، وتكون هناك نوايا إيجابية وتنازلات متبادلة.
الحروب والصراعات التي لا تحسم عسكريا لابد لأطرافها من الوصول إلى قناعات موضوعية بأهمية الحوار والتنازلات المتبادلة بهدف الوصول إلى حل وعدم الانجراف في صراع طويل ومجهول تكون نتيجته التخلي الإقليمي والدولي عن الصراع نفسه، كما حدث في أفغانستان والصومال، حيث الحروب الأهلية وانفصال الأقاليم كما في الحالة الصومالية.
ومن هنا فإن تدحرج الصراع اليمني من عام لآخر سوف يجعل التحرك السياسي الحالي من السلطنة ومن الآخرين غير ممكن وهنا تضيع فرص الحل وإنقاذ اليمن وشعبه ومرة أخرى تتجه الأنظار إلى القيادات اليمنية بكل أطيافها للتجاوب مع تلك التحركات المخلصة من خلال مؤشرات إيجابية تبدأ بوقف إطلاق النار كبادرة حسن نية ولإطلاق المفاوضات المباشرة بين الحكومة اليمنية من جانب، وأنصار الله «الحوثيين» من جانب آخر حتى يمكن الوصول إلى قناعات مشتركة لوضع خارطة طريق سياسية بحيث يكون الجميع مشاركًا في بناء اليمن الجديد.
مسار الصراع
وأمام المشهد اليمني المعقد لابد من الخروج من هذا الوضع المعقد من خلال جهود السلطنة التي لها خبرة في مجال المفاوضات المتعددة الأطراف، كما هو الحال مع نموذج الملف النووي الإيراني مع القوى الكبرى علاوة على ما تتمتع به الديبلوماسية العمانية من مصداقية على كل الصعد.
ومن هنا فإن مسقط أصبحت محطة مهمة لكل الجهود الإقليمية والدولية وهذا يعطي السلطنة مكانة سياسية كبيرة في المجتمع الدولي.
ومن هنا فإن مسار الصراع في اليمن قد يشهد انعطافة إيجابية خلال المرحلة القادمة، وهناك مؤشرات في هذا المجال والذي يدعم ذلك أن هناك انفراجات سياسية في الإقليم، حيث يدور حوار بين إيران والسعودية في بغداد وهناك بوادر تقارب مصري تركي وسوري عربي وهذه الأمور تصب في اختراق الأزمة اليمنية.
إن الجهود العمانية، كما تمت الإشارة متواصلة لأنها الخيار الأوحد لوقف سفك الدماء في اليمن الشقيق وإعطاء فرصة للشعب اليمني أن يعيش في بلده بسلام واستقرار وأن تعود الحياه الطبيعية إلى اليمن الشقيق. وأن الصراعات والحروب هي تدمير لمقدرات الشعوب وأن الوقت قد حان لإنهاء تلك الحرب وإطلاق عملية سياسية وتنهي ذلك الصراع المرير والذي يعد فيه الجميع خاسرًا.
اليمن في هذه المرحلة بحاجة إلى التكاتف والبعد عن الأنانية السياسية وعندما تصبح الأوطان في خطر فان الحس الوطني يطغى على أي مصالح ضيقة، ومن هنا نؤكد على ضرورة قراءة المشهد السياسي الحالي وتكثيف التحركات لأن الفرص لا تدوم وهناك حالات وصراعات أصبحت مهمشة من المجتمع الدولي مما يجعل كل الساسة في اليمن أمام مسؤولية تاريخية أمام الشعب اليمني وأمام العالم.
*صحفي ومحلل سياسي
عماني