الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / ازمة الاعلام في زمن كورونا

ازمة الاعلام في زمن كورونا

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية
في ظل الظروف التي يعيشها العالم، وعلى إيقاع طبول الحرب من تأثيرات هذا الفيروس المستجد الذي اجتاحنا، ما زالت الأنفاس محبوسةً بانتظار مخاض النصر، ما زال هناك أُناس يتأقلمون بقوة وبجرأة قلب مع عالمنا المتغير، ويستمرون بمواكبة حياتهم حتى مع تزايد التهديدات في محيطهم.
لا أنسى تسجيل أول حالة وفاة لكورونا وكيف كان لوقع الخبر نوع من التوجُّس والخوف، وما كادت تمرُّ الأيام إلَّا وأصبحت الأرقام تمرُّ علينا ولا تعنينا كثيرًا! تلك هي طبيعة الإنسان في الاعتياد على الشيء، والتي تُغيِّر القلق إلى حالة من عدم المبالاة والاعتياد على الخطر، ولكنَّنا قد نكون أحد هذه الأرقام والأقدار لن تستثنينا دائمًا.
أُنهكت الكوادر واسْتُهلكت قواها في الميدان لِتخَطِّي هذه الطوارئ التي أُجبروا عليها، وحتى الإنهاك الإعلامي أصابهم؛ فتارة تشكيك في اللقاح، وتارة تشكيك في العلاج. الجائحة أَوْجدَت بيئة خصبة لإطلاق الإشاعات، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكتظَّةً بآراء كلِّ مَنْ أدلى دلوه بأفكار وتحليلات قد تكون مُضلِّلةً في سباق للنَّشر، وأصبحت الساحة الإعلامية غارقةً بتضارب الآراء والتهويل، ولم يَخْلُ المشهد من بعض المناكفات على الصعيد السياسي بنظرية المؤامرة، وإلقاء التُّهَم على بعض الدول.
إنَّ آخر ما يحتاجه النَّاس ـ وسط هذه الفوضى والقلق ـ هو الأخبار المُضلِّلة والتأويلات، فيروس الإشاعات أسرع وأخطر من فيروس كورونا، الإنسان بطبيعته يخاف من المجهول، والخوف من المشاعر الطبيعية في الظروف غير المستقرَّة، فما بالك بجائحة تعصف بجميع الأصعدة الإنسانية دون استثناء الصحِّية والاقتصادية والاجتماعية؟ نشر الأخبار، وفبركة المعلومات، آفةٌ كبيرة لما يحمله المحتوى من مزاعم مُزيَّفة تزرع الهلع وتبث الذُّعر الجماعي بين النَّاس، ممَّا يدفعهم للتَّشبُّث بأيَّة معلومات قد تكون مغلوطةً لا تَمُتُّ للحقيقة بِصِلَةٍ.
خلال هذه المرحلة الحرجة، نحن بحاجة ماسَّة للإعلام الرَّصين؛ ليسحب البساط من وسائل التواصل الاجتماعي التي تعجُّ بهستيريا المعلومات غير الدقيقة التي طالما أخفقت في اختبار مصداقيتها، ووجب أن تقف النُّخبة الإعلامية الواعية والمفكرون والمثقفون حصنًا منيعًا ضدَّ خفافيش الظلام بوسائل التواصل الاجتماعي الذين اعتادوا التهويل، وثَنْيَ الجهود وتزييفَ الوَعْي.
نحتاج إلى بناء جسْرٍ من الثِّقة بممارسات إعلامية نزيهة من أجْل إيصال الموثوقية الإعلامية، وإشاعة الطمأنينة بَدَلَ الذُّعر، والرَّجاء والأمل مكانَ الشَّكِّ واليأس.
علينا أنْ لا ننسى البشر فيما وراء الأرقام، ووجب أنْسنَة القصص إعلاميًّا؛ لِبنَاءِ رسالةٍ قادرةٍ على إيصالِ المشاهد المُرْعبة من أرض الواقع بمشاعره المُحزِنة، لا لتخويف النَّاس، بل لرفع مستوى الوَعْي لديهم بحجم الأحداث، ولتسليط الضوء على المسؤولين عن واقع جاهزية النِّظام الصحِّي بشفافية لِلتَّصدِّي لمِثْلِ هذه الأزمات لإعادة بناء أولوياته.
حمَلات التَّنافس الإعلامي على جميع المستويات، سواء اتَّفقت الآراء أو اختلفت، وجب أنْ تُوَجَّه تجاه نظرية واحدة بأنَّنا جميعًا في مركب واحد، وكلُّنا يجب أنْ نصِلَ إلى برِّ الأمان بسلام، وأنْ لا يتوقف دَوْرُهم في التوعية والتَّثقيف، بل أوجب بأنْ يحملَ الإعلام تَوَجُّهَ مَدِّ العَوْن للآخر، وبثِّ روح التَّكافل والتطوُّع، وأهمِّية المجتمع المدني في الأزمات، وهذا ما أثبتته الظروف الحالية، الجائحة فتحت بابًا واسعًا للجنة للمقتدرين والميسورين، وأتاحت فضاءً واسعًا للتَّكافل الاجتماعي على جميع المستويات، فإنَّ تعاضد المجتمع في هذه المحنة، وتَفَقُّد النَّاس لأحوال بعضهم بمختلف أطيافهم يُسهم في بثِّ روح الطمأنينة والسكينة، والتَّرابط الرُّوحي.
في زمن كورونا يبدو أُفُقُ العالَم حالكًا، فمَشاعرُ الخوف والفقْدِ والهلَعِ تكتسح الرُّؤية، ولكنِّي أُومِنُ بأنَّ مشهد المَحبَّة سيكون حاضرًا أيضًا بقوَّة، الإنسانية ستَعبُرُ هذا النَّفق المظلم بمزيدٍ من التَّفاؤل والأمل بعد أنْ اكتسبت تقديرًا كبيرًا لِتَلاحُمِها وتَواصُلِها على الصَّعيد الإنساني.
نقلا عن صحيفة الوطن العمانية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …