الدكتورة /حسناء نصر الحسين*
لم تكن خارطة الجغرافيا السياسية السورية بعيدة عن مخططات الأذرع الدولية المنخرطة في العدوان على سورية بل شكلت نقطة الانطلاق لمشاريعهم المعتمدة على التدمير والقضم والضم لهذه الجغرافيا لصالح قوى إقليمية ودولية سنت سيوفها لاقتسام هذه الجغرافيا خدمة للمصالح الامريكية الاسرائيلية التركية في المنطقة من خلال الدعم الدولي لمجاميع الارهاب العالمي الذي دخلت جحافله عبر الحدود واحتلت هذه المناطق الحدودية، وكان الجنوب السوري بما يمتلك من جغرافيا بالغة الاهمية للدولة السورية نقطة البدء في عملية التنفيذ لهذه الاجندات الخارجية فمنطقة الجنوب السوري الممتدة من جبل الشيخ وهضبة الجولان السوري المحتل من قبل الكيان الصهيوني والى الشمال العاصمة دمشق وريفها وشرقا بادية الشام ( الحماد ) وصولا الى نقطة التنف الحدودية القريبة من حدود الاردن والعراق، المحتلة اليوم من قبل الولايات المتحدة الامريكية وكانت قد حولتها الى معسكر امريكي ومقر لتدريب العصابات الارهابية .
هذا الموقع الجغرافي للجنوب السوري شكل خط تماس بين الدولة السورية والكيان الصهيوني ونقطة دفاع اولى للدفاع عن سورية في اي معركة محتملة مع الكيان الصهيوني، وهذا ما يفسر لنا لماذا كان امر العمليات الامريكي الصهيوني من هذه الجغرافية ولمصلحة من يتم استهدافها وتسليمها للجماعات الارهابية التي استهدفت الجيش العربي السوري والنقاط الامنية منذ بدء الاحداث الاولى .
وما ان اتخذت القيادة السورية قرار التحرير لهذه الجغرافية في عام ٢٠١٨ وبدأت حملتها العسكرية ضد القوى الارهابية سارعت الولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل لوقف عمليات التحرير هذه وبدأت بإجراء الاتصالات بالحليف الروسي لدمشق وتم حينها ايقاف العملية العسكرية وفتح باب التسوية السياسية والمصالحات مع من يرغب بترك السلاح والعودة الى حضن الوطن، إلا أن هذه التسويات والمصالحات كانت تفتقد للمصداقية وهذا ما كشفته السنوات الثلاثة التي تلت تاريخ الاتفاق لتشهد هذه السنوات تصعيدا كبيرا من قبل الارهابيين في محاولة لخرق كل الاتفاقات السابقة التي شكل الحليف الروسي لسورية الضامن الرئيسي فيها وتعود هذه الادوات لممارسة الاعمال الاجرامية من تفجيرات واغتيالات وخطف للمواطنين المدنيين والعسكريين واستهداف لحواجز الجيش المتواجدة في درعا .
مارست الدولة السورية طيلة هذه الاعوام سياسة ضبط النفس وعدم الذهاب الى حرب في منطقة درعا البلد التي تعتبر بؤرة الارهاب في منطقة الجنوب وعدم تعريض الاهالي للحرب وارهاصاتها وكانت في كل مرة تحاول الحفاظ على هذه الهدنة الهشة والعودة للمسار التفاوضي لتجنب المنطقة الحرب إلا أن المستجدات التي حصلت في هذا الملف منذ ايام قليلة من استهداف للقوات العسكرية من قبل هذه العصابات واسرها لجنود عسكريين من على حواجزهم دفع بالدولة السورية تقديم وترجيح خيار العمل العسكري الذي بات مطلب شعبي ملح على الدولة السورية مع عدم استبعادها للحل السياسي والتسويات التي يقودها الروس بالتنسيق مع اللجنة المركزية والوجهاء في تلك المناطق الا ان عدم المصداقية لهذه اللجنة والخداع الذي يمتهنه المنافقون من هؤلاء الوجهاء قلل من عامل الثقة بينهم وبين القيادة السورية وبالنظر الى الشروط التي وضعها الارهابيون لدخول الجيش العربي السوري لهذه المنطقة التي تضمنت تحديد عدد حواجز الجيش ونوع سلاحهم واستبعاد الفرقة الرابعة واصرارهم على وجود عناصر من ما يعرف بالفيلق الخامس والذي كان له دورا سلبيا جدا في درعا بل وشريك للارهاب في استهداف حواجز الجيش العربي السوري ، كما اصروا على عدم دخول الحليفين الايراني وحزب الله الى المنطقة وهي نفس المطالب التي كانوا قد طلبوها عام ٢٠١٨ وهذا بالاساس مطلب اسرائيلي وكان قد طلبه من الحليف الروسي لدمشق .
وبالنظر لتوقيت هذا التصعيد من قبل القوى الارهابية بعد قرار الحكومتين السورية والاردنية بإعادة الحياة لمعبر نصيب ( جابر ) الحدودي في محاولة لاعادة انعاش اقتصاد البلدين وما يشكله هذا المعبر من اهمية حيوية تخفف من الاعباء الاقتصادية للشعبين سارعت هذه القوى الظلامية بقطع الطريق الدولي الواصل الى المعبر ،مما دفع بالجانب الاردني لإغلاقه الى ان تبسط الدولة السورية سيطرتها على هذه المناطق الحدودية ومع مرور ايام عدة على بدء المحادثات بين الدولة السورية و”الوجهاء” بحضور الروسي يبدو ان النتاىج التي تم التوصل اليها هشة ولا تصلح لأن يبنى عليها وانما تحاول المجموعات الارهابية من خلالها ان تقوم بمناورة جديدة تحافظ على وجودها لأطول وقت ممكن .
غير أن قرار الحسم العسكري اتخذ والجيش العربي السوري مستعد لفتح هذه الجبهة وما حضور السيد وزير الدفاع السوري الى درعا واجتماعه مع اللجنة الامنية السورية وبحضور الحليف الروسي وما تناقتله بعض الوسائل الاعلامية من الرسالة التي وجهها السيد وزير الدفاع بأن كل من الحليف الايراني وحزب الله سيشاركون في عملية التحرير ، وفي هذا التصريح رسالة واضحة للقوى الارهابية ولمشغلها الاسرائيلي بأن اي معركة قادمة سيكون الجيش العربي السوري وحلفائه فيها .
وبما ان الحديث كان قد تزايد عن الدور الروسي في هذا الملف وأن الروس يتحملون مسؤولية ما آلت اليه الامور في منطقة درعا البلد والاعمال العدائية التي قام بها ما يعرفون بقوات الفيلق الخامس واللواء الثامن التي كانت روسيا قد أنشأتهم ، نعم كان لهؤلاء دورا عدائيا واجراميا ولم يساهموا بأي دور من شأنه الحفاظ على ما تم التوصل اليه من تسويات ومصالحات بل كانوا شركاء بالاعتداء على حواجز الجيش العربي السوري .
بالنظر الى حجم الضغوط الدولية والاقليمية على الحليف الروسي ومع الاخذ بالاعتبار المصالح الروسية، تم تجميد المعارك وتأخير عملية التحرير ضمن اتفاقيات ٢٠١٨ ، إلا أن هناك متغيرات دولية واقليمية مهمة جدا تسمح للدولة السورية والحليف الروسي باتخاذ قرار التحرير وهذا ما كان الرئيس بشار الاسد قد وعد به الشعب السوري في اثناء خطاب القسم .
ولكل المراهنين على دور روسي يمنع او يحد من هذه العملية العسكرية اشير الى ما تم تداوله في الصحف العربية والاسرائيلية بأن هناك تغيير في الاستراتيجية الروسية المتبعة في سورية لجهة تكرار الاعتداءات الاسرائيلية على الدولة السورية وتهديدها باغلاق الاجواء السورية في وجه هذه الاعتداءات ، وهذا ما عبرت عنه مضادات الدفاع الجوي التي تصدت مؤخرا للاعمال العدائية الاخيرة على سورية واسقاط الدفاع الجوي السوري لكل صواريخ العدو الاسرائيلي، هذه المؤشرات تجعلنا نؤكد ان قرار الحسم العسكري لهذا الملف واغلاقه هو امر محسوم لا رجعة فيه.
*باحثة في العلاقات الدولية
شاهد أيضاً
حزب الله والكيان!
د. ميساء المصري* يقال في علم السياسة أن الأحداث تغير مجرى التأريخ .ومن الصعب التيقن …