الأربعاء , سبتمبر 18 2024
الرئيسية / اراء / تبرعات الامارات ..رفقا بفقراء الصهاينة

تبرعات الامارات ..رفقا بفقراء الصهاينة

عبدالسلام بنعيسي*
أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن رجل الأعمال الإماراتيّ محمد العبّار يُقدّم تبرعات كبيرة في إطار مشروعٍ إسرائيليٍّ لدعم العائلات الفقيرة بالدولة العبريّة. وأشارت ذات التقارير إلى أن محمد العبار هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة عدة شركات عقارية هامة، كما يُعّد واحدًا من أهّم رجال الأعمال في مجال البناء والتشييد في العالم، وهو أحد أهم المؤثرين في اقتصاد دولة الإمارات العربيّة المُتحدّة ورئيس مجلس إدارة، إعمار العقارية، التي هي أكبر شركة عقارات في الإمارات والمالكة لبرج خليفة الشهير..
فنحن إذن أمام رجل أعمال إماراتي كبير يعكس في مواقفه وقراراته مواقف وقرارات سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، فلا يمكن لرجل أعمالٍ، له كل هذا النفوذ المالي داخل دولة الإمارات أن يتصرف من تلقاء ذاته، غير متقيِّدٍ بالسياسة العامة لدولة بلده، فكما يقال، فإن الرأسمال جبان، فلو شعر محمد العبار أن في هذه الخطوة التي أقدم عليها تجاه الدولة العبرية ما يغضب المسؤولين الإماراتيين، ويؤدي بالتالي إلى تهديد مصالحه المادية واستثماراته ومشاريعه العملاقة في بلده، لما كان قد أقدم على هذه الخطوة، ويمكن القول إن إقدامه عليها، وقع، بيقينٍ منه، بأن في ذلك، استجابةً لرغبةِ الدولة العميقة في الإمارات، بل قد تكون خطوته بوحيٍ منها..
تنطوي هذه المبادرة من طرف واحدٍ من أكبر الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين في الإمارات على دلالات مادية ورمزية تؤكد توغُّل الدول العربية المطبعة، وعلى رأسها، الإمارات، في مسار التطبيع، إلى مستويات غير متوقعة، ربما حتى من جانب الصهاينة أنفسهم، فبالإضافة إلى المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي أُعلِنَ عن الشروع في إنجازها بين الكيان الصهيوني والإمارات، ها نحن أمام مشروع ذي بعد اجتماعي، يكمِّلُ ما سبقه من مشاريع، ويسعى لترسيخها..
فمن خلال هذه المبادرة يراد للتطبيع ألا يظل محصورا في جوانبه السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية، يُراد للتطبيع أن يشمل الجانب الاجتماعي، إذ يتعين أن يشعر الصهيوني الفقير بأن المال الخليجي بات يصله، دعما ومساعدة، وينبغي أن تشعر شريحة اجتماعية فقيرة في إسرائيل أنها أضحت معنية بالتطبيع ومشمولة بفضائله، وأن تعاين ذلك بشكلٍ مادي ملموسٍ.
وفقا لهذه المبادرة، لا يجب أن يظل التطبيع فعلا محصورا بين البيروقراطيين في الإمارات العربية والكيان الصهيوني، وبين فئة من التكنوقراط في الجهتين، وأن يظل فعلا تقوم به النخبة في البلدين فحسب، يجب أن يكون التطبيع في شكل مبادرات تشمل الطبقة الاجتماعية الفقيرة في الكيان الصهيوني لكي يشاع بينها، ويصبح مجالا لحديثها، ولكي تدرك تلكم الطبقة الإسرائيلية المتدنية الدخل، أهمية التطبيع وتتمسك به، وتتبناه، وترى فيه، فوائد ومنافع مادية تعود مباشرة عليها، وبذلك يترسخ التطبيع ويتجذر في الواقع الاجتماعي الصهيوني، بالموازاة مع تشييده وترسيخه في باقي المجالات الأخرى لدى النخبة العربية والصهيونية..
إسرائيل التي يُغدقُ عليها الغرب سنويا بعشرات المليارات من الدولارات، والتي تحظى بضائعها المصدرة بمعاملة امتيازية في الأسواق الأمريكية والأوروبية، والتي تتمتع ساكنتها بمعاملة خاصة من طرف الأمريكيين والأوروبيين، والتي يُعتبَرُ اقتصادها واحدا من الاقتصادات القوية في منطقة الشرق الأوسط، والدخل السنوي لكل واحدٍ من أفرادها من أعلى الدخول في العالم، إسرائيل هذه، تتكرم الدول العربية بتقديم المساعدات المالية والدعم الخيري لفقرائها..
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، مقولةٌ بات العمل جاريا بها، خليجيا، مع الفقراء الصهاينة فقط، ولا تنطبق على الفقراء العرب والمسلمين في موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر واليمن، ولا حاجة للعمل بها مع هؤلاء، ولا يهم المصير الذي ستؤول إليه الأموال المقدمة إلى الذين يُعتَبَرون فقراء من الصهاينة، ولا يهم إن كانوا سيستعملونها في نزع منازل وممتلكات وأراضي الأشقاء الفلسطينيين والاستيلاء عليها، وطرد أهلها منها، في أفق تهجيرهم، لفرض السيطرة الكاملة على فلسطين. الأهم هو أن يحدث ما يسمى بالتصدُّقِ العربي/ الإماراتي على الفقراء الإسرائيليين..
هل هذه صدقةٌ وإحسانٌ ودعمٌ إماراتي لفقراءٍ من بني البشر، أم أننا أمام مالٍ يقع التبرُّعِ به على معتدين وظُلاَّمٍ وقتلة ومجرمين، وسيُفضي تقديمه لهم إلى تحريضهم وتشجيعهم على الإمعان في إجرامهم ضد شعب شقيق، وأعزل، ومظلوم، ويتعرض للمذابح والمجازر منذ ما يفوق السبعين سنة، على أيديهم؟؟ هل هذا فِعلٌ خيريٌّ يُرجى الثواب والأجر من الله عليه، أم أنه عملٌ آثمٌ، ومُذنبٌ من يقترفه؟؟
المفارقة هو أن هذا الكرم الحاتمي الإماراتي تجاه الدولة العبرية يجري بالتزامن مع قضاء المحكمة الجزائية السعودية بالحبس 15 عاما على الممثل السابق لحركة حماس لديها، محمد الخضري، بتهمة دعم المقاومة، ضمن أحكام طالت 69 أردنيا وفلسطينيا، فممثل حركة حماس الذي كان يجمع، بعِلْمِ السلطات السعودية، أموال الزكاة من مواطنين سعوديين لتقديمها كمساعدات لأسر، وعوائل الشهداء الفلسطينيين، والأسرى، والذين هدّم الجيش الإسرائيلي بيوتهم فوق رؤوسهم، ممثل حماس وقع اعتقاله، ومحاكمته، والزج به في السجن، في حين تنهمر المساعدات المالية الخليجية على من تعتبرها الإمارات العربية المتحدة حليفة السعودية، أسراً إسرائيلية فقيرة…
أليس هذا هو العبث ومعه اللامعقول مُجسّدين في كامل صورهما؟ أليست هذه هي الكافكاوية السوداوية كما شخَّصها في قصصه الروائي الشهير فرانز كافكا؟ ألا تبدو الأمور، في عالمنا العربي، مقلوبةً، بحيث تمشي على رأسها بدل قدميها ؟؟ هل يمكن للعقل السليم تقبُّلَ هذه التصرفات الغريبة وفهمها واستساغتها؟ هل لديها منطق داخلي سليم يمكن لنا تفسيرها اعتمادا عليه؟؟
واضح، أننا إزاء مساعٍ تُصرفُ فيها أموالٌ عربيةٌ طائلةٌ لشراء ودِّ اللوبي الصهيوني وذمم أعضائه، والحصول على دعمهم في الكونغرس والإدارة الأمريكية لتجنب الضغوط والمتابعات والملاحقات حول أوضاع حقوق الإنسان المنتهكة في أكثر من مكان في العالم، من طرف هؤلاء الذين ينثرون المال العربي من النوافذ ليجنبوا أنفسهم المساءلة حول تلك الحقوق المهدورة والمستباحة..
لكن الإسراف في الإنفاق من أجل استرضاء المتربصين، لن يفيد أصحابه والقائمين عليه ابد الآبدين، إن له بدوره حدودا، فهو يشجع الصهاينة والأمريكيين على ممارسة المزيد من الضغط والابتزاز، للحصول على المال والمزيد من المال، إلى أن يجفَّ الضرع العربي، وطبعا لن تظل الشعوب قابلة بما يجري وصامتة عليه، فستأتي اللحظة التي تنتفض فيها، محتجة على ما يقع، ومطالبة بالتغيير، وفي مثل هذه اللحظات، كما قال حسني مبارك، فإن المغطي بالأمريكان عريان..
*كاتب مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

حزب الله والكيان!

د. ميساء المصري* يقال في علم السياسة أن الأحداث تغير مجرى التأريخ .ومن الصعب التيقن …