السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / جورباتشوف مفكّك الاتحاد السوفيتي!!

جورباتشوف مفكّك الاتحاد السوفيتي!!

محمد العمراني
توفي في 30 أغسطس آب المنصرم ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي عن 91 عاما .
جورباتشوف الذي تفكك في عهده الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة ، ليسدل الستار على العالم ثنائية القطب ولتبرز الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد يهيمن على العالم .
هذا الرئيس الذي رحل مؤخرا بعد حياة حافلة بالأحداث والتحولات الكبيرة سيظل مثار جدل وانقسام حتى في الداخل الروسي فمن الروس من يراه بطلا أنهى حقبة الاتحاد السوفيتي التي كانت حافلة بالقمع والفقر والحزب الشمولي الذي عمل على تكميم الأفواه وتقليص الحريات وبدد موارد الدولة في مشاريع التسلح النووي ومحاولات استكشاف الفضاء والحرب الباردة مع الغرب ، ومن الروس من يراه عميلا للأمريكان والغرب حيث عمل على تفكيك الاتحاد السوفيتي وهي القطب الذي كان يرعب الغرب ويعمل كقطب موازي للولايات المتحدة الأمريكية بحيث رسخ التوازن السياسي في العالم .
جورباتشوف الذي يتهمه البعض بالعمالة للأمريكيين يرون أن علاقته الوطيدة وصداقته العميقة مع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ، وكذلك الجوائز الكثيرة التي نالها من مؤسسات غربية ، والتي أبرزها جائزة نوبل للسلام عام 1990م ، إضافة إلى ثناء الغرب عليه هي أدلة تؤكد اتهاماتهم ، بينما يبررون القادة الغربيون الإشادة به بأنه الزعيم الشجاع والنزيه الذي صنع تحولات تاريخية في العالم ، ووضع حدا للحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب ، ووضع حدا للتسلح النووي.
الرئيس جورباتشوف يبرر ـ في لقاء مع ” bbc ” تفكيك الإتحاد السوفيتي بقوله : “البلاد كانت تسير في طريق الحرب الأهلية وأردت منع حدوث هذا”.
وأضاف: “الانقسام المجتمعي والصراع في بلد مثل هذه، تعج بالأسلحة، بما في ذلك أسلحة نووية، قد يتسبب في قتل الكثير من الناس ويُحدث دمارا هائلا. لم يكن بإمكاني ترك هذا يحدث من أجل التشبث بالسلطة. التنحي عن الحكم كان انتصارا لي”.
تبنى جورباتشوف الإصلاحات التي عرفت باسم البيريسترويكا (إعادة البناء والهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح وحرية التعبير) والتي أدت ضمن أسباب وعوامل أخرى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي .
تزايدت مشاكل الاتحاد السوفيتي وتصاعدت النزعات الانفصالية لدى دول الإتحاد وتفاقمت الأزمة الاقتصادية وصار بقاء الاتحاد بذلك الشكل إشكالية كبرى وحينها ألتقى جورباتشوف بقادة بيلاروسيا وأوكرانيا لبحث حل لمصير الاتحاد السوفيتي تم طرح الأمر على البرلمان وفي 26 ديسمبر اعترف برلمان البلاد، مجلس السوفيت الأعلى، رسميا باستقلال 15 دولة مستقلة جديدة وبالتالي أنهى وجود الاتحاد السوفيتي.
تم إنزال العلم الأحمر الذي يحمل المطرقة والمنجل والذي كان يوماً ما رمزاً لواحدة من أقوى دول العالم من فوق قصر الكرملين.
بعدها سارعت مجموعة من قيادات الحزب الشيوعي لاتهام جورباتشوف بالخيانة والانقلاب عليه وإيداعه في منزل في موسكو والإعلان بأنه لن يستطيع الاستمرار في منصبه ، بعد عامين من هذه العملية تمت محاكمة من انقلبوا على جورباتشوف بتهمة الخيانة .!
لكن السؤال : هل تفكك الاتحاد السوفيتي بسبب ” عمالة ” جورباتشوف أم أن الاتحاد تفكك لأسباب موضوعية عديدة ؟!
شخصيا أرى أنه حتى لو أراد جورباتشوف بقاء الاتحاد السوفيتي فإنه لن يتمكن من الابقاء على ذلك الاتحاد الذي توسع كثيرا ليصل إلى سدس مساحة العالم لكن الأزمات المختلفة أدت إلى انهياره وفيما يلي أبرز أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي .
1 ـ أرهقت القيادة السوفيتية ميزانية الاتحاد في سباق التسلح واستكشاف الفضاء وغيرها من المشاريع التي كانت تخوضها بدافع من التنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لتاتي أزمة انهيار أسعار النفط ودور السعودية في فتح حنفية النفط على آخرها فانهارت أسعار النفط والطاقة والتي كانت تشكل أكبر مورد للاتحاد السوفيتي ما أدى إلى خلل شديد في الميزانية ، حاول جورباتشوف تبني سياسة البيريسترويكا لغورباتشوف، والتوجه نحو الرأسمالية واعتماد بعض مبادئ السوق لكن الاقتصاد السوفيتي العملاق كان كمن اتخذ بشكل مفاجئ طريقا إجباريا لم يؤهل للمضي فيه وهو ما أدى إلى إرتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وشحة وجودها ، وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات كبيرة جدا وهو ما عجل بانهيار الاتحاد السوفيتي .
2 ـ سياسة الانفتاح المفاجئ والغير مدروس ، وهي سياسة انتهجها جورباتشوف للسماح بأكبر قدر من الحقوق والحريات والاصلاحات بعد عقود من القمع والشمولية والحزب الواحد ، وهو ما أدى إلى ما يمكن اعتبارها فوضى في مجال الحقوق والحريات فقد تم فتح أرشيف الدولة الذي أظهر الحجم الحقيقي للقمع، في عهد جوزيف ستالين (الزعيم السوفيتي بين عامي 1924 و 1953) حيث قتل خلال تلك الفترة ملايين الأشخاص.
هذا الإجراء غير المدروس بقدر ما كشف عن فضائع الحزب الشيوعي وتنكيله بكل معارض أو معترض على سياساته خاصة في مرحلة ستالين بقدر ما أشاع جو من التشاؤم وفقدان الثقة بالسلطة وبكل إجراءاتها ولذا فقد أساء جورباتشوف من حيث ظن أنه أصاب .
3 ـ تصاعد الروح القومية والنزعات الانفصالية لدى دول الاتحاد السوفيتي حيث شعر أبناء هذه الدول أن الروس هم من يتحكم في المشهد ومن يستأثر بكافة الامتيازات في كل مجال وأنهم غرباء في أوطانهم ..
لقد أخطأت القيادة الروسية حين عملت على القضاء على الخصوصيات الوطنية والثقافية بحجة تعزيز الروح الشيوعية وتطبيقها في الواقع ، كما أخطأت حين اتجهت إلى محاربة الأديان وطمس الهوية الدينية لدى الشعوب وهو ما جعل أبناء الدول الإسلامية يشعرون بأنهم يرزحون تحت احتلال غاشم طمس هويتهم وحارب دينهم ولذا عملوا على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي ..
حتى مستوى الخدمات والتنمية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي كانت أقل كثيرا من مستواها في روسيا يقول الرئيس الكازاخي الأول نور سلطان نزارباييف عن هذا الأمر : ” هذه الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي كانت “ملحقا مصطنعا” للاتحاد ، وكان المستوى المعيشي فيها أعلى منه في سائر الجمهوريات السوفيتية الأخرى “.
4 ـ فساد قيادة الاتحاد السوفيتي كان أيضا من أسباب انهيار الاتحاد فالقيادة السوفيتية لم تكن على مستوى التحديات الكبيرة التي واجهها الاتحاد ، فهذه الأمبراطوية الكبيرة كانت تحتاج إلى قيادة استثنائية تتمتع بهيبة كبيرة وبانضباط صارم وترسي نظام راسخ لكن النخبة الحاكمة حينها كانت تفتقر إلى هذه الصفات التي كان يجب توافرها فيه ، وذلك على خلاف ما حصل في الصين الشيوعية التي نجحت الحكومة القوية فيها في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية مع الحفاظ على دولة قوية وتنميتها وتطويرها ، ولذا فإن القيادة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي بعقد من الزمن ممثلة بالرئيس بوتين قد أمتلكت الكاريزما والديناميكية والكفاءة التي جعلتها قادرة على النهوض بروسيا وتنميتها وإعادتها بقوة إلى خارطة التأثير العالمي .

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …