فاطمة الجبوري*
يبدو أنّ الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى العظمى قد دخل في سبات عميق خصوصا بعد عمليات الرد والرد المتبادل بين طهران والولايات المتحدة. ما نحاول القيام به في هذه المقالة هو تحليل وقراءة محورين هامين للغاية تساعدنا على فهم واقع المحادثات وآفاقها المستقبلية.
المسؤول عن تعطل المفاوضات
يلقي بعض المحللين الغربيين اللوم على إيران بعرقلة المفاوضات وعدم الرغبة بالوصول إلى اتفاق يحقق مصالح الأطراف جميعها. ويتناسى هؤلاء عن عمد عملية الانسحاب الأحادي من أكبر صفقة دبلوماسية شهدها العالم بعد أحداث الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. إذ أن المفاوضات أنتجت الاتفاق النووي الذي تخلت طهران بموجبه عن مخزون من اليورانيوم المخصب وقبلت بالتخصيب ضمن حدود 3.7 بالمائة فقط مقابل رفع كامل للعقوبات الأممية والأمريكية المفروضة عليها. ثم ما لبث أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق بشكل أحادي ودون أدنى مبررات.
إذا فإن حالة عدم الثقة بين الأطراف تعود في خطوطها العريضة إلى إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. ثم علينا التذكير بأن إيران بقيت ملتزمة بتعهداتها ضمن الاتفاق النووي لأكثر من عام كامل وهذا ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذاتها بأكثر من عشر تقارير متتالية تؤكد على التزام طهران بتعهداتها.
الأزمة اليوم هي أزمة مركبة إذ فقدت طهران الثقة بالولايات المتحدة وما تطالب به طهران هو مطالب محقة وهي بالطبع تبحث عن اتفاق أكثر ديمومة ويوفر لها المنافع الاقتصادية. ولكن ما تقوم به الولايات المتحدة هو وضع العصا في عجلة المفاوضات كما يقول المثل الأمريكي، فهي لا تتراجع عن مطالبها غير المحقة كما أنها لا تقدم ضمانات معقولة تتطمئن المجتمع الدولي بأن الولايات المتحدة لن تقوم بالانسحاب مرة أخرى من الاتفاق.
كما علينا القول بأن الرئيس بايدن وعلى الرغم من إدعائه بأنه يسعى لإنجاز الصفقة إلا أنه لا يزال يتبع سياسة الضغوط القصوى التي فرضها ترامب في عهده. وتخرج إدارة بايدن كل يوم لتفرض مزيد من العقوبات على طهران!! تُرى وفي ظل هذه التفاصيل من يسعى حقاً إلى عرقلة الاتفاق؟؟ ولماذا لا يفهم بايدن وإدارته الحالية بأنّ سياسة الضغوط القصوى فشلت وستفشل وبأن طهران تخطت هذه المرحلة منذ سنوات من خلال تعزيز الاقتصاد المحلي والتوجه نحو دول الجوار وبناء علاقات قائمة على التكافؤ والاستقلال مع كل من روسيا والصين. وخير دليل على ما نقول هو ما صرح به الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أثناء لقائه ببوتين على هامش قمة شنغهاي في أوزبكستان حين قال: “بأن التعاون يجعل الدول الخاضعة لعقوبات أمريكية أقوى”. إن الغرب اليوم هو أشد حاجة لطهران وليس العكس، فلم يعد يخفى على أحد الشتاء القارس الذي ينتظر أوربا.
أهمية حضور رئيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة
يعتزم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحضور في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتنبع أهمية هذا التواجد من نواحي عديدة للغاية بعضها داخلي وبعضها خارجي وبعضها متعلق بمستقبل الاتفاق النووي ومستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية.
إن حضور الرئيس الإيراني هذه الاجتماعات إنما يأتي للتأكيد على أن إيران انتصرت على الحصار الممنهج الذي تعرضت له خلال أكثر من أربعين عاماً ويؤكد كذلك على استقلالية هذه الدولة في قرارها السياسي وحرية شعبها وعدم رضخوهم للإملاءات الأمريكية أو الضغوط الاقتصادية. تأتي هذه المشاركة بعد الانتصار الساحق الذي حققته إيران حكومة وشعبا على فيروس كورونا في الوقت الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع الصحة والدواء فيما يعد انتهاكا صارخاً لكل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان. تأتي هذه المشاركة في الوقت الذي عززت طهران تواجدها الإقليمي والدولي بوصفها قوة معادية للإرهاب حاربت الجماعات الإرهابية في كل من العراق وسوريا ووقفت إلى جانب شعوبها المظلومة في الوقت الذي كانت تلقي فيه القوات الأمريكية السلاح والغذاء لداعش.
كما تعتبر هذه الزيارة امتحاناً هاما للولايات المتحدة ورغبتها في التوصل إلى اتفاق مع طهران أو حتى تقريب وجهات النظر بين الأطراف. إذ أن هناك اللوبيات الصهيونية بقيادة بعض الجمهوريين تسعى إلى عرقلة هذه الزيارة وعلى رأس هذه اللوبيات تأتي “نيكي هيلي” و”مايك بومبيو” وهما المعرفان بعدائهما للإسلام ولإيران وفلسطين على وجه الخصوص.
كخاتمة، لقد بحثنا في موضوعين مهمين للغاية ويعتبران محددان هامان في مستقبل الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى. إن الإرداة السياسية للتوصل إلى اتفاق عادل وأكثر ديمومة موجودة لدى الجانب الإيراني، والكرة اليوم في الملعب الأمريكي. حيث يُطالب هذا الجانب بإظهار مرونة في تقديم ضمانات بعدم الانسحاب مرة أخرى كما هو مطالب بتخطي جميع الضغوط التي تدعو إلى عرقلة زيارة الرئيس الإيراني لحضور اجتماعات الجمعية العامة. هذه الضغوط التي ترجح المصالح الإسرائيلية على أهمية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف.
*كاتبة وباحثة عراقية
شاهد أيضاً
بساطة.. مجتمع مريض بحاجة الى منقذ!!
احمد الشاوش* على بلاطة.. نحن مجتمع مريض يعاني من ضيق في النفس وشلل في الامانة …