السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / الزلزال ونحيب السوريين!

الزلزال ونحيب السوريين!

اليز أغازريان*
أكان يلزم أن يحدث زلزال كونيّ لكي ينتفض العالم لنحيب السوريين؟
إذا تابعنا الاحصائيات، فإن عدد البيوت السورية التي دُمّرت وعدد القتلى والجرحى السوريين خلال السنوات الماضية يفوق ما فعله الزلزال بكثير. ربما جاءت هذه الهزّة الكونية لتقول لكافة الأطراف المتناحرة، والجهات التي تدعمها: “كفى!”.
ربما نطقت الارض معبرةً عن هول المأساة السورية وفقدانها اليومي لدعائم الحياة المعهودة.
لفتت الهزة انتباه العالم مرة أخرى إلى أن هناك آلاف مؤلفة في بيوت يشحّ فيها الوقود منذ سنوات، وملايين في الخيم والطرقات دون سقفٍ دافئ يأويهم، وآلاف يلوذون بالفرار إلى العدم، وعملات متراجعة تتحكم في صرف المصير. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى انه بين عام 2011 و2021 قتل أكثر من 306.887 سوري نتيجة للأزمة الطاعنة. وفي عام 2022 وحدها كان عدد ضحايا الأزمة السورية من القتلى ما يزيد عن 3825. تقديرات أخرى تشير إلى نسب أعلى بكثير. يضاف إلى ذلك مئات من المفقودين أو المخطوفين أو من ذهب إلى غياهب المصير المجهول، أو قتِل في السجون والمحاكم الميدانية ودروب الهرب دون أثر، أو ما زال يعاني من الاصابات والكدمات والصدمات النفسية والجسدية. خلال عقد واحد تشرد اكثر من 13 مليون سوري. كل ذلك ما قبل الزلزال.
أرى الأرض السورية لم تعد تحتمل جزع نساء فاقدات خلف جدران الكرامة، وأطفالاً بعمر الياسمين يتضورون جوعاً، ومسنين انحدروا من زمن لم يعهد وخز الفقر. ربما ارادت الارض ان تبتلع نفسها ومن فيها هرباً من تجار الألم ومرتزقة الحرب وأبواق أباطرة العالم المنافق. أمام الانقسامات المقيتة، انشطرت إلى شطرين وابتلعت جزءاً من هذا العالم وما فيه في طريقها إلى العدم. ربما نطقت الارض لتهددنا أن الكون اكبر من كل هذا وان مصيرنا جميعاً محتوم بهزة واحدة!
ربما يسجّل الزلزال لحظة عبور أو نقطة زمنية مثلما كان يقول الأجداد في السابق “قبل الثلجة الكبيرة”، فنقول يوما “قبل الزلزال الكبير”. وفي حال الخروج و”إعادة الاعمار”، كيف سيكون شكل الحاضر وقتها؟ كم مسافة ضوئية سيبعد عن قيم الرحمة والكرامة والأصالة والانصاف؟
تحرك البشر هذه المرة بدافع الشعور بأننا جميعا عُرضة لغضبٍ كونيّ. أمام هيمنة الماديات وثقافة الترقيع والقطيع، سلطت الهزّة انظارنا إلى مشهد الفناء. منحتنا الجرأة لنتساءل حول بعض البديهيات: إلى أين وصلنا؟ لماذا؟ متى ينتهي هذا الكابوس؟ وكيف وصلنا هنا؟ ومن الفاعلون؟ أخذت تراودنا أسئلة من قبيل: بصفتها من تفرض ادارات “الولايات المتحدة” ولايات منقسمة في منطقتنا وعقوبات على الشعب السوري؟ وبصفتها من تغزو العراق قبل عشرين عاماً تحت شعار “اسلحة الدمار الشامل” المزعومة، وتدوس على آثارها التاريخية وتقتل رئيسها وتسلّح سماسرة الحرب وجماعات معينة، ثم تتخلى عنهم وتصافح مستبدين في بلدان أخرى لتبدأ غزوة أخرى من غزواتها؟ إلى متى يغض العالم “المتحضر” النظر عن انتهاكاته من استعباد واستعمار واستنزاف للبيئة والموارد والبشر ثم يكيل الاتهامات والدعاية الاعلامية لجهات محددة في المشرق؟ من يحاسب هؤلاء؟ وكيف أخذ الأباطرة من كل صوب وحدب يعتدون على الأرض السورية في سباق الاسلحة الفتاكة، أمام صمت العالم المنافق الذي يرى المأساة ويشكو فقط من كاهل الضحايا الناجين واللاجئين والمنتحرين؟
جعلنا الزلزال نتجرأ أكثر لنطرق الخزان أملا بحياة فاعلة، وتوقاً إلى سبيل يخرجنا من هذه المتاهات. لعلنا ننسج عالما بديلاً لما رأيناه في المنطقة برمتها خلال الأعوام الأخيرة. عالم يقوم على الانسانية اولا وآخرا.
*كاتبة سورية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …