الأربعاء , يوليو 9 2025
الرئيسية / اراء / انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار النووي!

انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار النووي!

نجاح محمد علي*
يدفع استمرار التمييز الصارخ في التعامل الدولي مع الملف النووي الإيراني مقارنة بملف الترسانة النووية الصهيونية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى التفكير جدياً بخيار مشروع وقانوني: الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
هذا الخيار، إن تم اعتماده إذا تعرضت منشآت إيران النووية لاعتداء عسكري، لن يأتِ كرد فعل متسرع، بل كخطوة سيادية نابعة من عمق الإدراك الإيراني للمفارقة التأريخية والواقعية التي ترسّخها هذه المعاهدة لصالح قوى الهيمنة، وفي طليعتها الكيان الصهيوني.
معاهدة مفصّلة على مقاس الغرب وحلفائه
وُلدت معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1968 تحت شعار منع انتشار السلاح النووي وتعزيز السلم الدولي، إلا أن واقعها العملي أثبت أن المعاهدة كانت — ولا تزال — أداة في يد القوى النووية الكبرى لتكريس احتكارها للسلاح النووي، وممارسة الضغوط على الدول المستقلة الطامحة لتطوير طاقاتها العلمية لأغراض سلمية.
إيران، التي وقّعت على المعاهدة عام 1970، التزمت بكافة بنودها وفتحت منشآتها النووية أمام عشرات التفتيشات الدولية، وقبلت بالبروتوكول الإضافي الذي يسمح بتفتيش مباغت، وأبرمت في 2015 الاتفاق النووي (JCPOA) الذي مثّل أعلى درجات الالتزام من طرف دولة نامية في سبيل ضمان الأمن والسلم. لكن ما الذي حصل بالمقابل؟
انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق من جانب واحد في 2018، وفرضت حربًا اقتصادية على الشعب الإيراني، فيما وقف العالم الغربي موقف المتفرج. في الوقت نفسه، ظل الكيان الصهيوني، الذي لم يوقّع أصلاً على المعاهدة، بمنأى عن أي تفتيش أو محاسبة، رغم امتلاكه ترسانة نووية متكاملة، تُقدّر بـ90 إلى 200 رأس نووي، وفق تقديرات مراكز الرصد الدولية، مثل مركز “SIPRI”.
تفكيك أسطورة الغموض النووي الصهيوني
لطالما اعتمد الكيان الصهيوني سياسة “الغموض النووي”، التي تقوم على عدم تأكيد أو نفي امتلاك السلاح النووي، كوسيلة للتهرب من المساءلة الدولية. لكن هذه الخدعة السياسية سقطت أمام عملية نوعية أُنجزت مؤخرًا في العمق الصهيوني، أدّت إلى حصول الجمهورية الإسلامية على وثائق سرّية مرتبطة ببنية البرنامج النووي الصهيوني.
الوثائق، التي لم يُكشف عن كامل مضمونها حتى الآن، كشفت معلومات حساسة عن القدرات العسكرية النووية للكيان، بما في ذلك مواقع المنشآت، وأساليب الإنتاج، وسلاسل الإمداد التكنولوجي، مما يدحض أكذوبة “الغموض”، ويؤكد امتلاك هذا الكيان لأدوات إبادة شاملة تشكّل خطرًا مباشرًا على شعوب المنطقة والعالم.
هذه العملية الاستخبارية تمثل تحولًا نوعيًا في قواعد الاشتباك، ورسالة واضحة بأن احتكار السلاح النووي من قبل الكيان الصهيوني لن يبقى دون رد.
إيران وخيار الانسحاب: خطوة دفاعية مشروعة
في هذا السياق المتأزم، يأتي طرح إيران لفكرة الانسحاب من معاهدة NPT كخيار سيادي وشرعي بالكامل. فالمعاهدة نفسها تنص في مادتها العاشرة على حق أي دولة عضو في الانسحاب إذا رأت أن مصالحها العليا مهددة.
وإذا كانت إيران تتعرض منذ سنوات إلى تآمر دولي مكشوف، وعقوبات ظالمة، وتهديدات عسكرية من كيان يملك سلاحًا نوويًا غير خاضع لأي رقابة، فإن انسحابها من المعاهدة لا يُعد تهديدًا، بل دفاعًا مشروعًا عن أمنها القومي وسيادتها الوطنية.
الأمر لا يتعلّق بمجرد رد فعل على ظلم دولي، بل ببناء معادلة جديدة في المنطقة، قوامها المعاملة بالمثل، ورفض الخضوع لقوانين تُطبّق فقط على المستضعفين.
ازدواجية المعايير الدولية تفرض منطق الانسحاب
إن استمرار تجاهل المجتمع الدولي لحقيقة أن الكيان الصهيوني لم يوقّع قط على معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، منح هذا الكيان ميزة استراتيجية غير مشروعة، سمحت له بتطوير ترسانة نووية سرية دون رقيب أو محاسبة، في الوقت الذي تُفرض فيه على إيران قيود شاملة وتفتيشات متواصلة، رغم أن برنامجها النووي سلمي وعلني وخاضع للرقابة الدولية.
هذا التمييز الصارخ في المعايير هو الذي يدفع اليوم إلى طرح خيار الانسحاب الإيراني من المعاهدة، ليس بوصفه تهديدًا وإنما باعتباره ردًا عقلانيًا وسياديًا يهدف إلى إعادة التوازن الإقليمي، وكسر منظومة الإذعان التي ترسّخها المؤسسات الغربية.
من حيث المبدأ، فإن الكيان الصهيوني، بامتناعه عن التوقيع، غير ملزم بأي من التزامـات NPT، ولا يخضع لأي نوع من التفتيش، بما في ذلك مفاعل ديمونا الذي يُعد قلب برنامجه النووي العسكري. في المقابل، تخضع إيران، الموقعة والملتزمة، لضغوط سياسية واقتصادية وتفتيشات دقيقة لا تُفرض حتى على الدول النووية الرسمية.
الطرح الإيراني بالانسحاب لا ينطلق من فراغ، بل من منطق العدالة والمساواة الدولية، إذ من غير المقبول أن يُسمح للكيان الصهيوني بامتلاك أسلحة دمار شامل تهدد شعوب المنطقة، بينما تُحرم إيران من حقها الطبيعي في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية.
إن هذه المفارقة لا تُهدد فقط أمن إيران، بل تُقوّض مبادئ القانون الدولي نفسه، وتحوّل معاهدة عدم الانتشار إلى أداة ابتزاز سياسي بدل أن تكون أداة سلم دولي.
انعكاسات الانسحاب المحتمل
إقليميًا:
انسحاب إيران قد يُحدث توازنًا استراتيجيًا في مواجهة التفوّق النووي الصهيوني، ويمنح محور المقاومة ورقة ردع فعّالة، تقوّض رهانات العدو على شنّ حرب مضمونة الكلفة.
دوليًا:
الانسحاب سيفضح هشاشة النظام الدولي لعدم الانتشار، ويضع الدول الكبرى أمام تناقضاتها الأخلاقية والسياسية. فمن غير المقبول أن يُترك الكيان الصهيوني حرًا في تطوير قنابله، بينما تُخضع إيران لحصار بسبب تخصيب اليورانيوم لأغراض طبية وصناعية.
في الداخل الإيراني:
سيمثل هذا القرار لحظة تحوّل في المزاج السياسي، ويُكرّس التوجه نحو الاعتماد على الذات، وتحدي منطق الإملاءات الغربية التي أثبتت فشلها.
ردود فعل الكيان الصهيوني:
الكيان الذي يُدرك أن استراتيجيته الردعية تقوم على تفوقه النووي المطلق، قد يندفع نحو التصعيد، لكنه أيضًا سيكون أكثر حذرًا في مواجهة قوة إقليمية أكدت مراراً أن زمام المبادرة بيدها وتُمسك بأوراق القوة الحقيقية.
لحظة الحقيقة الدولية
ما لم يتم إخضاع الكيان الصهيوني للمحاسبة الدولية، وإلزامه بالتوقيع على NPT، وفتح منشآته للتفتيش، فإن كل حديث عن “منع الانتشار النووي” هو حديث زائف.
إيران، التي طالما أثبتت احترامها للقانون الدولي، من حقها اليوم أن تعيد تقييم التزاماتها، وأن تستخدم كل أدوات الضغط المشروعة للدفاع عن كرامتها وسيادتها.
الانسحاب من المعاهدة ليس خرقًا للقانون، بل تطبيق فعلي لمبدأ السيادة سمحت بها المعاهدة نفسها.
وإذا استمرت القوى الدولية في الانحياز للكيان الصهيوني، فإن مستقبل النظام العالمي سيكون على المحك… لا بسبب إيران، بل بسبب الكيل بمكيالين الذي بات سمة العصر.
*كاتب عراقي مختص بالشأن الايراني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

حين قالت الجامعة لا لإسرائيل!

د. محمد كرواوي* في حياة الشعوب لحظات لا تقاس بالأرقام، ولا تختزل في بيانات، وإنما …