د. عبد الفتاح طوقان*
في نهاية مراحل حرب أكتوبر، التي أوصى المستشار الروسي الجنرال فاسيليوفيتش بيوم كيبور بوصفه افضل وقت لتحقيق عنصر المفاجأة ، و التي اطلق عليها حرب الغفران ، وبعد تغول جيش الدفاع الاسرئيلي في الأراضي المصرية ووصوله بالقرب من القاهرة جرت أول محادثات عسكرية مصرية إسرائيلية لوقف الاقتتال بين جنرالات إسرائيليين ومصريين في الساعة الواحدة صباحًا في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل على بعد ١٠١ كيلومتر من القاهرة.
و قد اقترح هنري كيسنجر الذي اصبح وزيرا للخارجيّة ومستشارا للأمن القومي انهاء القتال بدعوة من الاتحاد السوفيتي و أمريكا اعتقادا منه ان هزيمة العرب سترغم الاتحاد السوفيتي للتدخل مما سيرفع من مكانتهم في الشرق الأوسط وحسب مذكراته كان متـأكدا من انتصار إسرائيل في النهاية بعد وصولها الي الكيلو ١٠١، و تبنى مجلس الامن القرار ٣٤٠.
ولان الجيش الإسرائيلي كان على بعد ١٠١ من القاهره اطلق علي المحادثات “محادثات الكيلو ١٠١”.
في أمسية باردة على طاولة خشبية تحت مظلة مموهة معلقة فوق عدة دبابات دخل الجنرال المصري الجمسي رئيس هيئة العمليات ( المشير فيما بعد) والجنرال الإسرائيلي أهارون ياريف في محادثات تفصيلية في نهاية المطاف لفك الارتباط العسكري بين الجيوش، ورتبت لتبادل أسرى الحرب، وقدمت الغذاء والإمدادات إلى الجانبين المصري والاسرئيلي وتم وقف إطلاق النار والزحف الاسرئيلي نحو القاهرة عاصمة مصر.
واستمرت المحادثات لأكثر من ثلاثة أسابيع وتجاوزت المسائل العسكرية إلى المناقشات السياسية.
وقد تم تصميم محتويات الاجتماعات بعناية من قبل الرئيس المصري أنور السادات في القاهرة و رابع رئيس وزراء لإسرائيل (١٩٦٩ – ١٩٧٤ ) السيدة الوحيدة التي استلمت المنصب و عضو الكنيست وهي رئيسة الوزراء الإسرائيلي جولدا مائير في القدس التي استنجدت و استغاثت بالرئيس الأمريكي بعد ست أيام من بدء الحرب وهي تصرخ اين هنري كيسنجر اين الرئيس نيكسون ، اين أمريكا ؟ و قالت جملتها الشهيرة “انقذونا من الطوفان المصري” وعلى الفور امر الرئيس الأمريكي نيكسون الذي لا يريد ان يرى إسرائيل مهزومة بامداد الجيش الإسرائيلي بجسر دبابات وطائرات غير مسبوق في تاريخ الحروب عوضا عما خسرته إسرائيل في الحرب وو ضعت قواتها النووية في حالة تآهب يوم ٢٥ اكتوبر ١٩٧٣ تحسبا لاي طارئ وبتكلفة باهظة علي الولايات المتحدة الامريكية وايضاً حصلت إسرائيل علي معلومات كاملة عن الجيش المصري و تحركاته بواسطة الأقمار الصناعية الامريكية ، مما دفع الرئيس المصري أنور السادات الذي اختلف مع رئيس هيئة الأركان الفريق سعد الشاذلي في الموقف العسكري عند حدوث الثغرة في الدفرسوار ( تسمى أيضا عملية أبيري -ليف) و التي جرت في وسط قناة السويس في الفترة من ١٥ الي ٢١ أكتوبر و كان رأى الشاذلي إبادة القوات الإسرائيلية والمصرية معا وانهاء أسطورة إسرائيل للابد مما يسمح للقوات المصرية للسير والتقدم لتحرير كامل سيناء و من ثم نحو فلسطين ، الا ان السادات قرر الانسحاب وان يتراجع ويعلن في خطاب أذيع علي الهواء مباشرة بعد اقالة الفريق الشاذلي :” انا ما بحاربش أمريكا”.
انتهت المجموعة الأولى من محادثات الكيلو ١٠١ حوالي الساعة الرابعة صباحًا. وقد رتبت الأمم المتحدة للمحادثات، لكنها لم تلعب أي دور في التوسط في جوهرها، باستثناء تسهيل تنفيذها.
وتمت مشاركة تفاصيل المحادثات العسكرية المباشرة مع وزير الخارجية هنري كيسنجر من خلال جولدا مائير أثناء زيارتها لواشنطن في أوائل نوفمبر ١٩٧٣، ومن خلال السادات من خلال وزير خارجيته.
تمكنت مائير والسادات من الاتفاق على التفاصيل دون حضور الأمريكيين. ووفقًا لكلا الجنرالين، كتبت الصحافة الاسرائليلية ” كان جو المحادثات احترافيًا وشبيهًا بالأعمال التجارية، حيث طور ياريف والجسمي ولعًا واضحًا ببعضهما البعض فقد كان كلاهما ينفذان تعليمات أتتهم مباشرة من مآئير والسادات”.
ورغم ان “الطوفان المصري” كما اسمته جولدا مائير انتهى باتفاقية سلام منفرده وقعت في كامب ديفيد و تدحرجت بعدها كرة ثلج معادات السلام والاستسلام ومحادثات اوسلوا التي افضت الي ما يشبه جمعيه تعاونية تشاركية تحت إمرة إسرائيل ، الا ان كل تلك المعاهدات الاستسلامية لم تنجح في كبح جماح “طوفان الأقصى” ولم تنكسر همة المقاومة ، والذي لو كان هنري كيسنجر و جولدا مائير احياءً لوصفوه بأنه ” طوفان الكارثة التي تهدد بقاء الكيان الإسرائيلي و تعرى حلفائها من العرب ” خصوصا و انه مع الجسر الأمريكي الا ان المقاومة في لبنان وغزة باقية و مستمرة و قادرة على إنهاك اسرآئيل رغم مسانده بعض من الأنظمة العربية الرجعية التابعة للولايات المتحدة لإسرائيل والدفاع عنها واستجدائها في بيانات وخطابات في الأمم المتحدة و إمدادها بجسر صهيوعربي.
اما ما نتج عن المحادثات ١٠١ فالحديث له بقية.
*كاتب اردني