خالد شحام*
نقلا عن وكالة رويترز للأنباء فقد تم يوم الإثنين الماضي من هذا الأسبوع إحياء ذكرى ضحايا عملية ميونخ ) 1972 ( في بافاريا الألمانية بحضور الرئيس الاسرائيلي اسحق هيرتسوغ حيث قدم الرئيس الألماني اعتذاره لأقارب الضحايا وطلب منهم الصفح عن إخفاق بلاده في حماية الرياضيين الاسرائيليين ذلك العام .
وقال “شتاينماير”: إن ألمانيا يجب أن تتحمل ما يقع على عاتقها من مسؤوليات عن جوانب الإخفاق “الكارثي” في حماية الرياضيين وعن مضي عقود قبل أن تحصل أسر الضحايا على التعويض.
وأضاف، “أشعر بالخجل. بصفتي رئيسا للدولة في هذا البلد وبإسم جمهورية ألمانيا الاتحادية أطلب الصفح عن الحماية غير الكافية للرياضيين وعن الحسم غير الكافي لهذه المسألة”.
يذكر أيضا أن الحكومة الألمانية أقرت بدفع تعويضات للعائلات الإسرائيلية، يوم الجمعة تبلغ قيمتها الإجمالية 28 مليون يورو ، ونُكست الأعلام على مباني عاصمة ولاية بافاريا، ووضع الرئيسان الإسرائيلي والألماني إكليلا من الزهور في موقع الحادث.
السؤال الذي خطر في بالي أثناء القراءة : ما نوع الترهيب أو الضغط الذي يتوجب إمتلاكه لدفع رئيس دولة كهذه ليقول كلاما كهذا !
إذا كان المرء ممسوح الذاكرة وهو يقرأ خبرا مثل هذا فلا يسعه إلا أن يشفق على الضحايا ويعظم موقف الرئيس الألماني بإنسانيته الفذة خاصة بوجود صور ( للضحايا ) في خلفية المشهد وهي باللونين الأسود والأبيض لمنح المتفرج جرعة التعاطف والحزن اللائقة ، مشكلتنا الصغيرة يا سيادة الرئيس أن ذاكرتنا لا تزال حية وتحفظ من المواجع وتواريخ الظلم والقهر الشيء الكثير ومن الصعب أن نصدق ونؤمن بتعاطفكم ووقوفكم إلى جانب هؤلاء ( الضحايا المساكين ) ، والمشكلة الثانية يا سيادة الرئيس أن ذاكرة الكبرياء فينا لم يخمد وهجها في عروقنا على الرغم من كل سنوات التضليل والتركيع ولذلك يعز علينا أن نصدق أن ألمانيا تحولت إلى جمهورية موز بهذا المستوى من التبعية والإذلال والتي لم تعد تختلف عن دولة من دول العالم الثالث ، هل وصل مستوى التحكم بالريموت كونترول إلى هذه الحدود ؟ هل من المعقول أن ثقافة وذاكرة الرئيس الألماني والشعب الألماني انكمشت إلى الحد الي لا يرى فيه سوى هذا الثقب الضيق من الجريمة المركبة على الشعب الفلسطيني ؟ ماذا بشان الصور الطازجة للممزقين والمحترقين في أخر عدوان على غزة ؟ ألم تؤلمك هذه ؟ ماذا بشأن مئات المجازر التي ارتكبها هؤلاء الذين تبكي وتعتذر لهم ؟ ألم تؤرق منامك ؟ ماذا بشأن الأطفال والفوسفور الأبيض الذي أحرق به هؤلاء الطفال الأحياء ؟ هل تعرف ماذا فعلت صواريخ وقذائف هؤلاء الذين دفعت لهم الملايين من الابتزازات ؟ ماذا بشأن عمليات القتل اليومية التي يمارسها هؤلاء في بلادنا تحت ذريعة الاستيطان ويقتلون فيها المرأة والعجوز والطفل بلا سائل ولا مسؤول ؟ ماذا بشان مقتل الصحفية شيرين ومن قبلها ألوف الأبرياء دون ذنب ولا تهمة ؟ ماذا بشأن المعتقلين وألوف الشهداء والأرض المصادرة ؟ ماذا بشأن تدمير وقتل وسفك دم العرب في كل زمان ومكان يا سيادة الرئيس ؟
هل تعلم يا سيدي ؟ … اعتقد أنه لم يعد هنالك من فارق بينك وبين بلادنا سوى في القشرة فقط ، فكلانا نحن وانت مستعبدون ولا يجرؤ أحد مسؤولينا أو مسؤوليكم على الإدانة أو الاتهام أو ذكر الحقيقة التي يعمل هؤلاء جاهدين على إخفائها عن إجرامهم وذنوبهم العظيمة بحق العرب وغير العرب ، في الحقيقة ليست القصة احتفاءا وتكريما لأهالي ( الضحايا ) أو وخزة في ضمير العالم للفت الانتباه إلى الإنسانية والقيم الأوروبية السامية بل هي تذكرة جديدة لهذا العالم بهيمنة وسطوة وحضور هذا الحزب أو هذا النظام في داخل شرايين أوروبا ومواضع النفوذ في هذا العالم ، لا يهم هؤلاء الضحايا لا الفلسطينين ولا اليهود ولا غيرهم لأن كل ذلك مجرد سباق متاجرة متجددة بدماء قديمة مضى عليها خمسون عاما والفلسطينيون الذين نفذوا العملية لا يزالون في مقام الصنم الجاهز للرجم والإدانة مع دورات السنوات بينما هم أصحاب قضية راسخة .
الحقيقة المواربة التي لا يجرؤ الرئيس الألماني على ذكرها أن كلمته هي جزء من تراتيل العبودية المستحدثة على يد الصهيوينة الجديدة في تحالفها مع المسيحية المتصهينة والتي تشكل في مجموعها حزب الشيطان ذي النفوذ العالمي واليد الطولى في أوروبا والشرق والغرب أو بتعبير آكثر دقة التحالف أو النظام العالمي الجديد الذي بدء خطته بكورونا ويسوق العالم اليوم إلى هاويته ، لو سُئِل الرئيس الألماني المتحضر ذاته عن رأيه في حرب اليمن لقال بأنها جزء من الدفاع عن حقوق الغلاف الجوي وطبقة الأوزون ، ولو طلب منه رأيه في حرق غزة وقتل الأطفال لقال بأن ذلك جزء من حق الدفاع عن النفس وان هؤلاء إرهابيون منذ ولادتهم ولا رخصة لهم للحياة ، ولو طلبنا منه أن يدلي بدلوه في احتلال فلسطين وحق الشعب في المقاومة المسلحة ضد المحتلين لربما جادت مخيلته المعلبة سلفا بجواب من قبيل بأن هذه الأرض ليست ملكا لهم ولا يمثلون شعبا ولا امة ولا تاريخا وأنهم مجرد ذباب مستنقعات يحق مسحه وتطفيشه او قتله …… هذا هو زمن الهيمنة الأمريكية والاحتلال الحضاري بالطريقة الديموقراطية لبلد مثل ألمانيا أو اليابان ، إنه العقوبة القصوى والاستعباد الأزلي من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يوم يبعثون لهذه الشعوب التي وقفت يوما في وجه الكارثة الأمريكية .
فدائيو ميونخ يا سيدي الذين تحاولون نزع الصفة الإنسانية عنهم ليسوا إرهابيين أو من هواة القتل الذين تصدرونهم إلينا وليسوا من الخزر ولا النَوَر، إنهم جزء من متسلسلة الضحايا التي ولدتها بلادكم عندما رميتم في بلادنا هؤلاء الإرهابيين وأسكنتموهم في بيوتنا وحاراتنا ومنحتموهم نفطنا وزرعنا وماءنا وهواءنا ومنحتموهم رخصة بالذبح وسفك الدماء .
فدائيو ميونخ يا سيدي هم جزء من معالادت الإتزان الطبيعي التي تتولد عندما يطغى الشر ولا يجد من يردعه ، إنهم آباء وأزواج ورجال دفعهم الظلم في سرقة بلادهم إلى التضحية بحياتهم ولا زالوا يتوالدون حتى اليوم بأشكال ومسميات جديدة وسوف يعود التاريخ والزمان لينصفهم ويمنحهم الدرجة الحقيقية التي يستحقون ، وإن غدا لناظره لقريب !.
*كاتب فلسطيني
