أمين بوشعيب
عندما سئل السيد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، حول ما إذا كانت هذه الأخيرة قد أُحيطت علما بمسار تحقيق وزارة الخارجية الإسرائيلية في الاتهام الموجه لدبلوماسيين إسرائيليين بتورطهم في التحرش الجنسي، بمغربيات داخل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، أجاب السيد الوزير بأن الحكومة لم تناقش الموضوع في اجتماعها الأسبوعي الأخير (المنعقد يوم الخميس الماضي) وحول ما إن كانت وزارة الخارجية المغربية فتحت تحقيقا في الموضوع أيضا، فإن السيد مصطفى بايتاس فضل لغة الصمت، ولم يقدم أية توضيحات.
وحين سئل عما يعتزمون داخل الحكومة القيام به من أجل صون كرامة النساء المغربيات، في حال ما ثبتت الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الإسرائليين، انعقد لسانه عن الكلام، ولم ينبس ببنت شفة.
وكانت الخارجية الإسرائيلية، فتحت تحقيقا في الموضوع، وقامت باستدعاء دافيد غوفرين سفير أو رئيس مكتب الاتصال الاسرائيلي في الرباط، وكافة الموظفين بالمكتب أو السفارة، وذلك بالتزامن مع إرسال وفد من كبار الدبلوماسيين بمن في ذلك المفتش العام للوزارة حجاي بيهار إلى الرباط، للتحقيق في الشكاوى التي توصلوا بها في الوزارة.
وحسب ما جاء في أحد المواقع الإسرائيلية، فإن هذه القضية التي عرفت اهتمام وتفاعل الرأي العام المغربي معها، قد أثيرت لأول مرة يوم الاثنين الماضي، في برنامج “نصف يوم مع إستي بيريز على قناة القناة B”، والذي يشارك فيه دبلوماسيون وسياسيون إسرائيليون كبار.
الغريب في الأمر هو صمت القبور الذي تحلّت به الحكومة المغربية، وأتباعها من أحزاب ونقابات وبرلمانيين، وكأن هذا الفعل المشين، لا يعنيهم في شيء، لكن الأغرب من ذلك هو الغياب التام لجمعيات النسائية وهيئات حقوق الضحايا، التي تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يتعلق الأمر بصحفي مزعج، أو فاعل جمعوي يغرد خارج السرب. أليست هذه الجمعيات والهيئات آلية حقوقية مبتكرة تأسست لصون كرامة ضحايا الجرائم والدفاع عن مصالحهم المشروعة؟ أليست لهؤلاء النسوة الحق في جبر الضرر؟
في عام 2018 عندما تعرضت بعض العاملات المغربيات، اللواتي يشتغلن في حقول الفراولة بالجنوب الإسباني للتحرش الجنسي من قِبل مشغلهم الاسباني، قامت ضجة كبيرة في أوساط الجمعيات والهيئات التي تدعي الدفاع عن المرأة، حيث أعلنت حينذاك هيئة التنسيق الوطنية للجمعيات النسائية في المغرب أنها ستباشر كافة التطورات، ومتابعة مسار القضية سواء على الجانب الميداني أو القضائي، وطالبت الحكومة التي كان يرأسها آنذاك الدكتور سعد الدين العثماني، بضرورة التدخل الواجب من أجل توفير الحماية لهذه الفئة من المواطنات من قسوة الظروف الاجتماعية والاعتداءات والمعاملات السيئة، وضمان شروط عمل تصون الكرامة الإنسانية. فلماذا هذا التمييز في التعامل مع النساء المغربيات، رغم أن الأمر يتعلق بنفس القضية؟ أم أن هؤلاء المسكينات ليس لهن بواكٍ حين يكون المعتدي إسرائيليا؟
لكن يبقى السؤال الأكبر هو: اين النيابة العامة المغربية من هذه الفضيحة المجلجلة؟ أليس القضاء الواقف هو السلطة التي أوكل اليها المشرع، في قانون المسطرة الجنائية، مهمة تحريك الدعوى العمومية ومتابعتها في جميع المراحل باعتباره الطرف الرئيسي والأساسي، والأصلي، الذي يملك حق المطالبة بتوقيع الجزاء على مرتكبي الجرائم باسم المجتمع؟ ألم يُنط له المشرع مجموعة من الوظائف الأساسية ترجع بالدرجة الأولى الى مكافحة الظواهر الاجرامية المختلفة؟ أم أن ما اقترفه المدعو دافيد غوفرين لا يدخل في إطار الظواهر الإجرامية؟ فلماذا قعدتَ أيها القضاء في وقتٍ، الضحية أحوج ما تكون إلى وقوفك إلى جانبها؟
والحقيقة أنه لولا المرأة المغربية التي كانت ضحية هذا الاعتداء، بعثت بشكوى للخارجية الإسرائيلية في الموضوع، ولولا مبادرة الصحافة العبرية بنشر تلك الرسالة، لما بلغ إلى علمنا أمر هذه الفضيحة التي ارتكبت في العاصمة المغربية. فلماذا يا ترى لم تلجأ هذه المرأة إلى وزارتي الداخلية والعدل المغربيتين؟ ألا تثقين أيتها المرأة في نزاهة قضاء بلادك؟
وعلى كل حال فإن ما حدث من انتهاك لكرامة نسائنا داخل أرض الوطن، لا يعدو كونه إلا نتيجة من النتائج التي بدأ المغرب يحصدها من جراء التطبيع الذي زرعه حزب العدالة والمغربية بيد أمينه العام آنذاك الدكتور سعد الدين العثماني، حيث انتشر هذا الفيروس (التطبيع) في جسد المغرب كالسرطان، ولم يترك مجالا إلا أصابه بدائه، سواء في المجال السياسي، أوالدبلوماسي، أوالتربوي، أوالسياحي، أوالاقتصادي، أوالصناعي، أوالفلاحي، أوالعسكري، أوالأمني، أوالرياضي، أوالإعلامي، أوالثقافي، أوالفني، أوالقضائي، أوالديني، وها اليوم يصل إلى أعراض وكرامة نسائنا، فماذا تبقّى من شيء لم يدنسه عار التطبيع؟
فلاش: في خضمّ هذه القضية وما أثارته من ردود فعل هنا وهناك، انبرت إحدى الصحف المغربية، بدون خجل ولا حياء، تدافع عن هذا المسؤول الإسرائيلي، وتعلن أنها قامت بربط الاتصال بمصدر دبلوماسي من وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأكد لها أن دافيد غوفرين مازال مستمرا في منصبه سفيرا للدولة العبرية في المغرب، مادامت تهمة التحرش ليست ثابتة في حقه، وفي ظل عدم وجود شكوى رسمية ضده، وأن الأمر لا يعدو مجرد كلام واشاعات تنتقل من أذن الى أخرى.
بينما نجد أن الإعلام الإسرائيلي يفضح سلوكيات هذا المسؤول ويعتبرها غير مقبولة، وكذلك الخارجية الإسرائيلية لم تنفِ صحة ما أورده الإعلام العبري، مقرّة بأنها على علم بذلك، وأن هناك سلسلة ادعاءات ظهرت وأدت إلى تحقيق الوزارة مع ذلك المسؤول.
شاهد أيضاً
بساطة.. مجتمع مريض بحاجة الى منقذ!!
احمد الشاوش* على بلاطة.. نحن مجتمع مريض يعاني من ضيق في النفس وشلل في الامانة …