الخميس , مارس 28 2024
الرئيسية / اراء / التهديد الأجوف

التهديد الأجوف

علي الزعتري*
هو أي تهديد لا يحملُ جَدِّيَةَ و إمكانية التنفيذ.
تهديدٌ يصدرُ عن كثيرٍ و يعرف القاصي و الداني أن المُهَدَّدْ آمِنٌ من المُهَدِّدْ لأن الأخير لن يستطيع أن يُنْفِذَ تهديده.
تقول موسكو لواشنطن اليوم لو أعطيتِ يا واشنطن أوكرانيا أسلحةً بمدىً طويل فستتغير المسارات في الحرب و تصبحين في المواجهة. و أوكرانيا تطلب هذه الأسلحة لما تخطط له من مقاومةٍ ضد روسيا. ألم تقل روسيا أن أي سلاحٍ يدخلُ أوكرانيا من الغرب سيتم تدميره؟ و ها هي الأسلحة بأنواعها تتدفق للأوكرانيين فيما الروس قالوا أنهم دمروا سلاح أوكرانيا الجوي وكسروا المدرع و قتلوا الآلاف من الجنود والمرتزقة و لكن طائرات أوكرانيا تطير لليوم وجنودها يتقدمون. ثم لو صحَّتْ بيانات الروس فما بال القوات الروسية تنسحب تاركةً ورائها أسلحتها النوعية الثقيلة للأوكرانيين؟ و كيف ستصبح واشنطن في المواجهة و هي في المواجهة منذ ما قبل الحرب ولم تُخْفِ دعمها لأوكرانيا و لا عداءها للروس؟ فما قيمة التهديد الروسي؟ لا قيمةَ لهُ إلا إن كان هناك من السلاح الأقوى قد تم تزييتهُ للاستخدام. والمصيبة أن الأمريكان والناتو لديهم هذه الأسلحة، فالمعادلة لو أُستخدِمت الأسلحة التدميرية هي نهاية العالم الذي نعرفهُ. الواقع أن روسيا تخسر حربها ضد أوكرانيا و قد تخسر أكثر. خواصرها الجغرافية تتقتق عن صراعاتٍ خامدة تشتعل و قد نرى المثير منها و هي ليست صدفةً أن تشتعل. من و لاستناد روسيا علي نظامٍ سياسيٍّ يستفردُ فيه الزعيم أو الزعامةُ بالقرار فالخطأ وارد. فالزعامةُ الفردية و لو تغطت بالمستشارين و الوزراء مهما كانت فَذَّةً و ذكيةً و عنيدةً لا تدوم، و لكن الذي يدوم هو بناء الشخصية الوطنية الديموقراطية والمشاركة في الحكم المتداول، وهو ما يهم لاستمراريةِ الأمم. و روسيا اليوم ليست كذلك فأرقامها الاقتصادية ومستوى حرياتها متقهقرٌ عن الغرب والشرق بل أن ديموقراطيةَ النرويج والسويد وسويسرا كأمثلةٍ أوروپيةٍ وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة آسيوياً تفوقها رغم ضآلةِ هذه الدول أمام روسيا. و لهذا فإن التهديد بالمواجهة مع واشنطن تهويلٌ سيزيدُ من وهنِ روسيا و من تصميم الغرب لهزيمتها. و ان صدقَ فالمواجهة حتماً كارثيةَ النتيجة كونياً.
و إن نظرنا لإيران فهي تقول أنها طورت طائرتين مُسيرتين لقصف تل أبيب، و لكن إسرائيل تقصفها متى أرادت في سوريا و ربما حتى داخل إيران و لا ترى الطائرتين في الجو و لا رداً إيرانياً بل مزيدٌ متشابهٌ من التهديدات. و يشبهها في هذا المقاومة و الرسمية الفلسطينية التي تهدد و تندد ولا ترد علي اقتحامات إسرائيل للأقصى أو المدن و المخيمات. فقط القليل من أبناء المدن الفلسطينيين هم الذين يواجهون. وعبثاً يتغنى الناس بالحجارة التي هربت منها المصفحات الإسرائيلية بينما يتم تهديم بيوت المقاومين و يسجن أهلهم و يُقتلُ أطفالهم ليلياً. من الواضح أن سيل التهديدات لا يؤثرُ في إسرائيل. فلماذا التهديد دون الفعلِ إذاً؟ الصمتُ أولى.
سيقول قائلٌ أن “اللعبة” تقتضي ذلك و أن عدم الرد “استراتيجية” وأن ما تقوم المقاومة بتحقيقه كثير. و ينطبق هذا علي إيران كذلك. و إن كانَ، فالصمتُ فعلاً أولى. و للروس، في أوكرانيا، و هي حربٌ ليست من شأننا لكنها حدثٌ عالميٌ يتدحرجٌ علينا رضينا أم رفضنا و فيهِ من التهديد و الوعيد، إن كان جاداً أم هازلاً، ما يتوسلُ التمعن. التمعن يشي بسماتٍ متشابهة بين الروس و إيران و المقاومة و الرسمية الفلسطينية في محبةِ تفعيلِ آلة التصريحات التي تتجاوز أفعالهم بينما الواقع لا يدل علي أن عدوهم يتأثر أو يتراجع و يفعل هذا من دونِ تصريحاتٍ لا تحمل الجدية و تتبعها الأفعال الموجعة. بل أن هذا العدو و بذكاءٍ استراتيجي يقضم هنا و هناك و يضرب علناً و خفيةً و يعرقلُ و يُصَعِّب الحياة بلا هوادة. نقولها ألماً لا شماتةً فيما يخص بلادنا و ديننا ومقدساتنا. و نقولها من باب الحرص علي عدم حصول خيبات الأمل المتكررة. و قد نكون متسرعين في الحكم و بالطبع غير عالمين بتفاصيل “اللعبة” و ” الاستراتيجية” لكننا نتمنى أن أصحابها عالمين و قادرين. فما لنا منهم إلا التصريحات!
*كاتب ودبلوماسي اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

خواتيم التآمر!

فؤاد البطاينة* ما زال تاريخ الحركة الصهيونية الخزرية في فلسطين قائما على الحروب منذ بدايات …