د. بسام روبين*
أكتب هذا المقال للتاريخ بعد أن لاحظت تفاقم الإختراقات الأمنية وبأشكال مختلفه فكرية، وثقافية، وسياسية تستهدف الأمن القومي العربي ، مما يستدعي التصدي لها لحماية الأمن القومي العربي وقد عزز هذه الظاهرة التزايد الملحوظ في نشاط وأعداد المتصهينين داخل بعض المجتمعات العربية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي. ويتطلب هذا الأمر من جميع القوى الحية في الأمة وقفة جادة لإيقاف زحف هذا الخطر الصهيوني المحدق بأمتنا.
ففي الوقت الذي يمعن فيه الكيان الصهيوني بقتل الأبرياء، وإرتكاب أبشع جرائم الإبادة والتجويع في غزة، نجد بعض العرب قد وقعوا في فخ الدعاية الصهيونية، إما عن جهل أو عن سبق إصرار ، فصاروا يتبنون السردية الإسرائيلية، ويدافعون عنها بشراسة تفوق حتى الصهاينة أنفسهم وقد بدأ هذا التيار بالتكاثر دون رقابة أو محاسبة، على عكس ما كان يحدث سابقًا مع بعض التنظيمات الدينية واليسارية، حيث كانت تتخذ ضدهم التدابير الضرورية للحد من تأثيرهم ، أما الآن، وبرغم جرائم العدو وخطورة المتصهينين، لا نرى أي إجراءات جدية تستهدف نشاطهم في الساحة العربية، بل نشهد تسهيلات تمنح لهم لممارسة أنشطتهم المكشوفة،
لذا تقتضي الضرورة البحث في أسباب إنتشار المتصهينين المقلق ووضع الإجراءات الكفيلة للوقاية منهم، كونهم يمثلوا الخطر الأعظم الذي يهدد الأمة في حاضر وقادم الأيام ، ولعل أخطر ما في الأمر أن هذا التيار لم يعد مقتصرًا على النخب أو الإعلاميين، بل بدأ يتغلغل في الأوساط الشعبية، مستفيدًا من حالة الإحباط العام، والإنهيار القيمي، والتدهور الإقتصادي، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية الممنهجة التي تستهدف وعي المواطن العربي ومن منابر عربية.
ولا تقتصر خطورة المتصهينين على خيانة القضية الفلسطينية، بل إنها تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي ، فقبول المتصهينين كأمر واقع، والسماح لهم بالتغلغل داخل المجتمعات العربية تحت شعارات “التطبيع”، يعني عمليًا فتح الباب أمام المزيد من الهيمنة الإقتصادية، والسياسية، والعسكرية الإسرائيلية، وتحويل بعض الشعوب العربية إلى أدوات تخدم المشروع الصهيوني في المنطقة.
ويسبب تزايد أعداد المتصهينين في الشارع العربي، سواء بدافع الفقر والبطالة أو للحصول على مناصب، فتح المجال أمام تنفيذ مخططات خطيرة تهدف إلى تفكيك بعض الدول العربية من الداخل. ويتم ذلك عبر الترويج لروايات مضللة، والتشكيك في قضايا الأمة، وتبرير جرائم الإحتلال، حيث أبرمت بعض الحكومات إتفاقيات مع دولة الإحتلال تضمنت فرص عمل وفق معايير حددتها إسرائيل، مما جعل هؤلاء العمال وذويهم بؤرًا لنشر المشروع الصهيوني. وقد أسهم هذا الأمر في إضعاف الجبهة الداخلية، وتمزيق النسيج الوطني، وخلق بيئة قابلة للإستسلام أمام أي مخطط صهيوني مقبل.
وقد نجح الكيان الصهيوني في إختراق بعض عقول رجال الدين، وغسل أدمغة بعض النخب الإعلامية، حتى صار بعض العرب أنفسهم هم من يدافعون عن المشروع الصهيوني عوضًا عن مواجهته. فتجدهم يتحدثون في الصالونات السياسية والإعلامية بما كان يعتبر مجرمًا في السابق، وبدون أي خجل أو خوف من الملاحقة القانونية.
وهنالك مسؤولية قومية تقع على عاتق جميع القوى الوطنية، من مفكرين، وإعلاميين، وسياسيين، وقادة رأي، لفضح هذه الظاهرة والتصدي لها، عبر تعزيز الوعي الوطني والقومي، وكشف مخططات الأعداء، ووقف حملات التجهيل والتطبيع التي تغزو العقول، كما يجب على الحكومات الإنتباه للخطر المحدق الذي يشكله المتصهينون، لا سيما الرسميون منهم، فنحن اليوم أمام معركة وعي، ومن يخسرها هو من سيخسر المعركة القادمة مع العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية.
ختامًا أؤكد أن قضية فلسطين والمسجد الأقصى ستبقيان البوصلة الحقيقية لكل عربي ومسلم حر في هذا العالم, وأي إنحراف عن هذه البوصلة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التفكك والتراجع ، فإما أن نحافظ على كرامتنا وأمننا القومي، أو أن نسير خلف المتصهينين ونكون أدوات لمشروع العدو، وندفع الثمن غاليًا.
حفظ الله أمتنا العربية والإسلامية ونصرها على أعدائها.
*كاتب اردني