الأحد , مارس 30 2025
أخبار عاجلة
الرئيسية / اراء / سوريا تحت السكين!

سوريا تحت السكين!

نجاح محمد علي*

تمر سوريا اليوم في واحدة من أخطر المحطات في تأريخها الحديث حيث تتكشف خيوط مؤامرة كبرى تشارك فيها قوى دولية وإقليمية لتمزيق النسيج الوطني السوري. فبعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد لم يتردد الكيان الصهيوني في شن عدوان شامل على الأراضي السورية تحت ذرائع أمنية واهية مستغلاً حالة الفراغ السياسي والعسكري التي خلفتها سنوات الحرب الطويلة. هذا العدوان لم يكن ممكناً لولا الدعم الدولي المباشر والتواطؤ العربي الصريح في مشهد يكشف زيف الادعاءات الغربية باحترام القانون الدولي وسيادة الدول.

يمثل العدوان الصهيوني الأخير على سوريا ذروة مشروع استعماري قديم يعود إلى ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني نفسه. فوفقاً للوثائق التأريخية كان مشروع سوريا الكبرى الذي طرحه الصهاينة في عشرينيات القرن الماضي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية وعرقية. اليوم نرى تنفيذاً عملياً لهذا المخطط عبر احتلال أجزاء من الجولان والقنيطرة ودرعا وإقامة منطقة عازلة تمتد 15 كم داخل الأراضي السورية مع نفوذ استخباري يصل إلى 60 كم.
الغارات الجوية الصهيونية التي استهدفت أكثر من 480 موقعاً عسكرياً سورياً خلال 48 ساعة فقط ودمرت ما يقارب 80% من القدرات الدفاعية السورية لم تكن عمليات عسكرية عابرة بل هي جزء من استراتيجية ممنهجة لإضعاف الجيش السوري كلياً وتدميره نهائياً. هذا ما أكده تقرير للأمم المتحدة يشير إلى تدمير 70% من البنية التحتية العسكرية السورية بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي والمنشآت الساحلية.
مايسمى “المجتمع الدولي” والجامعة العربية، برغم كل الإدانات الشكلية يتحملان المسؤولية الكبرى عن تمكين الكيان الصهيوني من تنفيذ عدوانه. فالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن تبقى حبراً على ورق بينما تستمر واشنطن وحلفاؤها في توفير الغطاء السياسي والدعم العسكري للعدوان. الوثائق المسربة من البنتاغون تثبت تورط الاستخبارات الأمريكية في التخطيط للعمليات العسكرية الصهيونية بما في ذلك تحديد الأهداف التي يجب ضربها في سوريا.
كما فشلت الأمم المتحدة عبر قواتها العاملة في المنطقة العازلة فشلاً ذريعاً في حماية السيادة السورية. و تكشف تقارير الأوندوف أن القوات الصهيونية كانت تنفذ عملياتها تحت أنظار قوات الأمم المتحدة بل إن بعض المواقع الأممية تحولت إلى قواعد أمامية للجيش الصهيوني. هذا التواطؤ الدولي لم يقتصر على الجانب العسكري بل امتد إلى الجانب السياسي حيث سارعت بعض الدول الغربية إلى الاعتراف بالواقع الجديد الذي فرضه الكيان الصهيوني على الأرض.
على الصعيد العربي ، ومع الدور المشبوه للجامعة العربية ، برزت بعض الأنظمة كأدوات طيعة في يد المشروع الصهيوني. فبدلاً من الوقوف مع الشعب السوري في محنته نجد أنظمة عربية تتعاون بشكل مباشر أو غير مباشر مع الكيان الصهيوني سواء عبر التطبيع العلني أو الدعم الخفي لكل ما من شأنه زعزعة استقرار سوريا. بعض العواصم العربية لم تكتف بالصمت بل سارعت إلى تبرير العدوان الصهيوني تحت ذرائع مختلفة. هذا الموقف المخزي يكشف عمق الأزمة الأخلاقية التي تعيشها النخب الحاكمة في بعض الدول العربية التي تخلت عن أدنى مبادئ التضامن العربي.
في المقابل يبرز محور المقاومة بقيادة إيران كقوة رئيسة تواجه هذا العدوان المتعدد الأوجه. فالعلاقة التي كانت بين طهران ودمشق ليست علاقة وكيل وسيد كما حاول البعض تصويرها بل كانت تحالفاً استراتيجياً قام على الأهداف المشتركة في دعم القضية الفلسطينية ومواجهة مشاريع تصفيتها وطمسها والتطبيع.

إيران من جهتها لم تكن يوماً دولة تابعة لأحد بل حافظت على سياسة خارجية مستقلة جعلتها قوة إقليمية فاعلة لا يمكن تجاهلها. ولم الدعم الإيراني لسوريا في عهد الأسد على الجانب العسكري بل شمل أيضاً الجوانب السياسية والاقتصادية في موقف عكس رؤية استراتيجية عميقة لأهمية سوريا في المعادلة الإقليمية ومواجهة المشروع الصهيوني.

وليس خافياً أن المشروع الصهيوني في سوريا يتقاطع في بعض جوانبه مع المشروع التركي رغم التناقضات الظاهرة بينهما. فبينما يسعى الكيان الصهيوني إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية وعرقية تعمل أنقرة على إحياء أحلامها العثمانية عبر التمدد شمال سوريا. لكن هذا التناقض لا يمنع وجود تعاون خفي بين الطرفين حيث تلتقي مصالحهما في إنهاء دور الدولة السورية كحلقة رئيسة في المقاومة من أجل فلسطين.

تركيا التي تدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية تحافظ على علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني في تناقض صارخ مع خطابها الرسمي. و التدخل التركي منذ أن بدأ في شمال سوريا تحت ذرائع أمنية ، وحتى إسقاط الأسد ، لا يختلف جوهرياً عن العدوان الصهيوني إذ أن كلا المشروعين يستهدفان السيادة السورية ووحدة أراضيها.

الموقف التركي من الأزمة السورية يكشف الازدواجية في السياسة الخارجية. فمن جهة كانت أنقرة تعلن دعمها لوحدة الأراضي السورية ومن جهة أخرى دعمت الجماعات المسلحة في إدلب ، ونفذت عمليات عسكرية في مناطق واسعة من شمال سوريا ، وصولاً تغيير النظام .

الخشية التركية من قيام كيان كردي في سوريا جعلت أنقرة تتبنى سياسات متعارضة تارة تدعم وحدة سوريا وتارة تعمل على إضعاف حكومتها المركزية. هذا التناقض في المواقف يعكس حقيقة المصالح التركية الضيقة التي تضعها فوق كل الاعتبارات الأخلاقية والسياسية.

وفيما يتعلق بالدور الإيراني في سوريا الذي جاء وفق طلب رسمي من القيادة السورية السابقة ، فقد كان مؤثراً في كبح جماح العدو الصهيوني وفرملة تقدمه في الأراضي السورية، في إطار تحالف استراتيجي قائم على المصالح المشتركة و دعم المقاومة الفلسطينية .

فطهران لم تفرض نفسها على دمشق بل كانت شريكاً استراتيجياً في مواجهة المؤامرات الدولية التي تستهدف المنطقة. هذا التحالف أثبت فعاليته في مواجهة المشاريع التقسيمية وهو ما يفسر الحملة الإعلامية والسياسية الغربية ضد الوجود الإيراني السابق في سوريا. إيران قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لسوريا في أصعب الظروف مما ساعد دمشق على الصمود أمام العدوان الدولي.

وما يجب تثبيته في ضوء مايجري ، فإن العدوان الصهيوني على سوريا ليس ظاهرة جديدة بل هو استمرار لمشروع استعماري قديم يسعى إلى تفكيك الدول العربية وإضعاف جيوشها. فمنذ تأسيس الكيان الصهيوني كانت سوريا من أهم أهدافه الاستراتيجية نظراً لموقعها الجيوسياسي وموقفها التاريخي المناهض للمشروع الصهيوني. ما يحدث اليوم هو فصل جديد من فصول هذه المؤامرة التي تستهدف وجود سوريا كدولة موحدة وقوية. و كان تدمير الجيش السوري هدفاً صهيونياً منذ عقود وهو ما تؤكده تصريحات القادة الصهاينة عبر التأريخ.
عود إلى الموقف الدولي من العدوان الصهيوني ، فهو يكشف حقيقة المعايير المزدوجة التي تحكم السياسة العالمية. فبينما تتدخل القوى الكبرى فوراً لفرض عقوبات على أي دولة تخرج عن خطها السياسي نجدها تتغاضى عن جرائم الكيان الصهيوني في سوريا وفلسطين ولبنان . هذا التناقض ليس سوى دليل إضافي على أن القانون الدولي أصبح أداة في يد القوى العظمى تستخدمها وفق مصالحها. و الأمم المتحدة التي كان من المفترض أن تكون حامية للدول الصغيرة أصبحت أداة لشرعنة سياسات القوى الكبرى.
في الختام ، يجب التأكيد مرة أخرى أن المقاومة تبقى الخيار الوحيد لمواجهة هذا العدوان المتعدد الأوجه. فالتجربة السورية ، وقبلها القضية الفلسطينية النازفة، أثبتت أن الاعتماد على ما يسمى “المجتمع الدولي” أو الأنظمة العربية الرسمية هو وهم كبير. فقط عبر التمسك بالتحالفات الاستراتيجية مع محور المقاومة يمكن لسوريا أن تعبر هذه الأزمة وهو الدرس الذي يجب أن تستوعبه كل الأمة العربية في مواجهتها للمشروع الصهيوني الذي لا يهدد سوريا وحدها بل وجود الأمة بأسرها.

ولقد كان الصمود السوري أمام العاصفة يمثل نموذجاً يحتذى به لكل الشعوب التي تواجه مشاريع التفتيت والهيمنة.

فهل يعيها الجولاني ؟!

“لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ”

*كاتب عراقي مختص بالشؤون الايرانية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

المقاومة الفلسطينية هل هي إرهابٌ؟

د. فايز أبو شمالة* يكرر العدو الإسرائيلي صباح مساء بأنه يحارب الإرهاب الفلسطيني في قطاع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *