الأربعاء , يوليو 9 2025
الرئيسية / اراء / انه عصر الصين!

انه عصر الصين!

د. عبدالله جودة*
هناك عوامل كثيرة قد تكون السبب الرئيسي وراء تقدم امة عن اختها فمثلا استطاعت العرب ان تقود البشرية بعد ان تزاوجت بالدين الاسلامي الحنيف الذي كان دافع ورافع لهذه الامة المتناحرة المتفرقة ان تتوحد وتتطور نحو القمة العالمية بثبات ويقين ولذا كان الدين هو المحرك والمسيطر على مفاصل التطور الحضاري و الاجتماعي ، والثقافي والسياسي والاقتصادي أما في عصرنا الحالي تفرق و تناحر العرب وحلت بهم المصائب وكأننا في جاهلتنا الثانية. وبالجهة الاخرى من المشرق العالمي بزغت شمس الصين التي تتقدم لقيادة العالم بخطوات ثابتة من أجل تحقيق ( الحلم الصيني ) كما أطلق عليه الرئيس الصيني وتجسيدًا للأيديولوجية السياسية للقيادة في عهد شي جين بينغ.حيث قال شي إن الشباب يجب أن «يجرؤوا على الحلم، والعمل الجاد لتحقيق الأحلام والمساهمة في إنعاش الأمة».
شي جين بينغ والذي يعتبر أحد أهم القادة السياسيين في تاريخ الصين الحديث حيث تبني فكر الحفاظ على مصالح الامة الصينية خارج حدود الصين والعمل على وحدة ارضيها مما يعني استعادة تايوان الى الصين الواحدة الموحدة الواعدة في تسيدها لعالم اكثر أمنا وعدلا وسلاما (أو هكذا يدعون) . ومحاولة لفهم هذه المعجزة والاستفادة منها لا بل والشراكة معها في تطور مستمر وتعاون مستقر لذل وجب ان نحاول فهم اسباب التطور الصيني بشكل خاص والاستفادة من هذه التجربة المميزة ، وهناك عوامل عدة أهمها العامل البشري ، فالتاريخ يثبت أن الأمم العظيمة بُنيت بسواعد وعقول أبنائها، وليس فقط بمواردها المادية. العنصر البشري هو “رأس المال الحقيقي” لأي أمة تطمح إلى التقدم، لذا نجد ان الصين إجادة الاستثمار فيه عبر التعليم الجيد (من المدرسة إلى الجامعة والبحث العلمي). وايضاً الرعاية الصحية (الجسدية والنفسية) (العقل السليم في الجسم السليم) وخلقت بيئة محفزة (حرية الإبداع، العدل، ومكافأة العمل الجاد) بما يتناسب مع خصوصية الثقافة الصينية . وعملت على تعزيز الهوية والانتماء حيث جعلت منهم أفراد فخورين بدورهم في بناء الوطن.فالتنمية البشرية هي الطريق الوحيد لتنمية حقيقية ومستدامة. بهذه العوامل وغيرها ، يصبح الإنسان ليس مجرد رقم في الإحصائيات، بل قوة دافعة للتغيير والتطور.
ad
نعتقد أن الإنسان الصيني الحديث يُعتبر أحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن للعنصر البشري أن يكون محور التغيير والنهضة، حيث تحولت الصين من دولة فقيرة زراعيًّا إلى قوة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية كبرى في غضون عقود قليلة. وهذا التحول لم يكن ليحدث لولا الاستثمار الاستراتيجي في العنصر البشري ، معتمدًا على عدة ركائز أساسية يمكن تلخيصها فيما يلي ، التعليم والتركيز على العلوم والتكنولوجيا حيث بدأ إصلاح النظام التعليمي بعد ثورة 1949 وخاصةً إصلاحات دينغ شياو بينغ (1978)، ركزت الصين على تعليم (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الرياضيات) وإنشاء جامعات بحثية متقدمة. و إرسال الطلاب للخارج، آلاف الطلاب الصينيين تم إرسالهم إلى أمريكا وأوروبا لتعلم أحدث التقنيات، ثم العودة لبناء الصين. مما احدث الثقافة المجتمعية التنموية ، فالمجتمع الصيني يُقدِّر التفوق الأكاديمي، مما خلق تنافسية عالية بين الطلاب. بالإضافة الى الانضباط والعمل الجاد وثقافة التشجيع ، ولم يكن ذلك بعيدا عن أخلاقيات العمل الصينية،الاعتقاد بأن الاجتهاد يُحقق المستحيل (مثل مقولة: 《天道酬勤》 أي “السماء تكافئ المجتهدين”. مما خلق ساعات عمل طويلة وإنتاجية عالية فالعامل الصيني في المصانع أو المبرمج في وادي السليكون الصيني (شينزين) يعمل بجدٍّ يُضرب به المثل في عموم الصين.
حالة الابتكار والتكنولوجيا عملت على تحويل العمالة إلى إبداع فانتقلت الصين من “مصنع العالم” إلى مركز للابتكار في الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والاتصالات (مثل شركات هواوي، Tencent، Alibaba). واستراتيجية “صنع في الصين 2025” لتصبح القائد العالمي في التصنيع المتقدم والاكتفاء التكنولوجي الذاتي. لم يكن ذلك بدون القيادة والحوكمة الفعّالة والتخطيط طويل المدى . فالحكومة الصينية تضع خططًا خماسية وعشرية واضحة، مثل الخطة الاستراتيجية *مبادرة الحزام والطريق*. كل ذلك ساهم في القضاء على الفقر و انتشال 800 مليون شخص من الفقر عبر استثمارات في البنية التحتية والتعليم. ولم تغب الهوية الوطنية والوحدة مما عزز الانتماء في استخدام التاريخ الصيني العريق (كالحضارة الكونفوشيوسية) لتعزيز الفخر الوطني. وترافق ذلك مع الشعارات التحفيزية ، مثل “الحلم الصيني” (中国梦) الذي يجمع الأفراد حول هدف مشترك. وتطور المجتمع بحيث تكيُّف مع العولمة واستيعاب التكنولوجيا الغربية ثم تطويرها ،الصين لم تكتفِ بتقليد الغرب، بل طوّرت نسخًا محسّنة (مثل Baidu بديل Google، WeChat بديل WhatsApp). في نفس الوقت وافق ذلك المرونة في السياسات مثل التحول من الاقتصاد المغلق إلى اقتصاد السوق الاشتراكي. حيث تبنت الصين الحديثة الشيوعية ومن ثم الاشتراكية وبعدهما الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ويدل ذلك على الانفتاح على كل ما هو جديد و مفيد في تطور المجتمع ورفاهية الشعوب
ad
وهنا يجب ان نبرهن علي ما قد سبق في أمثلة وهي كثيرة ولكن سنكتفي بضرب مثالين
المثال الاول البحث العلمي
البحث العلمي في الصين يشهد تطورًا سريعًا ومذهلاً في العقود الأخيرة، مما جعلها منافسًا قويًا للدول المتقدمة تقليدياً مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وبقية دول العالم حيث تصدرت العالم في عدد الأوراق البحثية المنشورة في *2023*، متفوقةً على الولايات المتحدة في مجالات مثل الهندسة والكيمياء وعلوم المواد. كما انها أصبحت الأولى في عدد براءات الاختراع المقدمة سنويًا (أكثر من 1.5 مليون ، طلب في 2022)، لكن نسبة كبيرة منها محلية كما تتصدر في تطوير 5G، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والبطاريات الكهربائية ، مع شركات مثل *Huawei و BYD *. وبلاشك يعتبر الإنفاق على البحث والتطوير (R&D) الاهم في هذا المجال ومع ان الصين تحتل المرتبة الثانية عالميًا في الإنفاق على البحث والتطوير، حيث أنفقت حوالي 2.4% من ناتجها المحلي الإجمالي (GDP) في عام 2022، بما يعادل أكثر من 450 مليار دولار. إلا ان الولايات المتحدة لا تزال الأولى في الإنفاق المطلق (حوالي 700 مليار دولار سنويًا)، لكن الصين تقترب منها بسرعة.
الصين أصبحت عملاقًا في البحث العلمي، خاصة في المجالات التطبيقية والتكنولوجية، لكن الولايات المتحدة لا تزال متفوقًا في الأبحاث الأساسية والجودة. المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تشكل محركًا رئيسيًا للتقدم العلمي العالمي وهذا ما يخدم المجتمع الدولي بشكل عام
المثال الثاني السيارات الكهربائية
هيمنت السيارات الكهربائية صينية الصنع على الأسواق العالمية وخصوصا الناشئة منها ، المبيعات الإجمالية الصين تهيمن بنسبة 60% من السوق العالمي ، بينما أمريكا تمثل 10% فالصادرات لهذا القطاع الصين تتقدم بفارق كبير (خاصة في أوروبا). واذ تمثل الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم حيث تم بيع ~8.8 مليون سيارة كهربائية (BEV + PHEV) في 2023 (حوالي 60% من المبيعات العالمية).
وهناك العديد من العلامات الصينية مثل BYD، NIO، XPeng، Wuling. تتصدر المبيعات المحلية. BYD فقط باعت 3.02 مليون سيارة كهربائية (هايبرد + كهرباء بالكامل) في 2023، متجاوزة تسلا لأول مرة. وفي المقابل نجد في الولايات المتحدة بيع 1.4 مليون سيارة كهربائية في 2023 (نمو 50% عن 2022)، لكنها لا تزال تمثل أقل من 10% من المبيعات العالمية . تسلا تهيمن على السوق (نسبة 55% من مبيعات السيارات الكهربائية في أمريكا في 2023).
وبذلك نجد ان النسبة التقريبية بشكل عام الصين vs. أمريكا في المبيعات العالمية 6 إلى 1 (أي لكل سيارة كهربائية أمريكية مباعة، هناك 6 صينية). أصبحت الصين أكبر مصدر للسيارات الكهربائية في العالم (تصدر إلى أوروبا، آسيا، أمريكا اللاتينية). في 2023، صدرت الصين 1.3 مليون سيارة كهربائية (+70% عن 2022). اما النسبة في الأسواق الخارجية الصين vs. أمريكا في التصدير 3 إلى 1 (خاصة في أوروبا).
تتقدم الصين بخطي ثابتة واصرار على تحقيق أهدافها الاستراتيجية ومن أهمها تحقيق العدالة والتنمية حيث يقول
الرئيس شي جين بينغ:
‏لم يسبق للشعب الصيني أن ظلم أو استعبد شعوب الدول الأخرى، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولن يفعل ذلك في المستقبل.
‏وفي المقابل، لن يسمح الشعب الصيني لأي قوى أجنبية بأن تظلمه أو تستعبده أو تقمعه.
المستقبل لمن يأخذ بادوات التطور والازدهار من تربية الكادر البشري ووضع خطط واستراتيجيات لتحقيق التنمية بادوات علمية وعملية ومهنية عالية الجودة في مرحلة تخبط وانهيار دول الشمال العالمي كان من الواجب على دول الجنوب اخذ زمام المبادرة وتحقيق التنمية الشاملة فهل يكون لنا نصيب من ذلك التطور والازدهار
*كاتب مختص في الشؤون الصينية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

بوتين وترامب والشرق الأوسط..!

مطهر الأشموري* في مكالمة استمرت أكثر من ساعة بين الرئيسين الروسي «بوتين» والأمريكي «ترامب»، تم …