اسيا العتروس*
في الوقت الذي تعيش جامعة الدول العربية على وقع جدل عقيم حول من يخلف امينها العام وأين تهدرأموالها الكثيرة هي التي فقدت اي دور فعال و تحولت الى ما يشبه الببغاء الذي يعيد تكرار ما دأبت على اصداره من بلاغات بلا روح و لا هدف و باتت الة مبرمجة لاستنزاف الاموال و الجهود كانت قوافل الصمود الشعبي التي انطلقت من خمسين بلدا تشق طريقها برا وبحرا باتجاه غزة بحثا عن ثغرة لتبليغ رسالتها الانسانية الى القطاع المحاصر منذ سنوات ..شتان بين جهود وفود شعبية انتصرت لغزة قولا و فعلا و اختارت المغامرة و التحدي لمواجهة كيان متوحش يمارس الارهاب الرسمي ويمتهن قتل المدنيين كهواية لتحقيق أهدافه التوسعية الاستعمارية و الوصول الى ما يصفف بحلم اسرائيل الكبرى معتمدا في ذلك على فتاوى الحاخامات اليهود المتطرفين الذين يسخرون التلمود لتبرير جرائمهم الصهيونية العنصرية ..
طبعا لا مجال للمقارنة بين جامعة عربية متهاوية و فوق كل ذلك تعاني من امراض العصر و اخطرها مرض الانفصام ومعه
مخاطر الزهايمر السياسي الذي يجعل هذه الجامعة تعاني فقدان الذاكرة فتصاب بالهوس و بتهيؤات لا مكان لها على ارض الواقع فتعتقد أنها أقرب للاسد و أنها تمتلك التأثير والقدرة على حل اعقد الملفات و لكنها غير ذلك بالمرة بل هي تعد عالة على الشعوب و الدول تثقل كاهل الجميع بما لا ينفع في الحاضر و لا في المستقبل ..و قد فرضت هذه المقاربة نفسها على ارض الواقع و نحن نتابع أخبار سفينة مادلين و هي تتعرض للقرصنة و تحويل الوجهة من على مشارف بحر غزة الى كيان الاحتلال فيما يتم النشطاء الاثني عشرة الذين كانوا على متنها من طرف جيش الاحتلال الاسرائيلي المدجج بالسلاح ..و الحقيقة أننا لا نرى ما يدعو هذا الجيش القاتل للفخر و الاعتزاز و هو يحول وجهة نشطاء مدنيين لا يحملون غير المساعدات الغذائية الانسانية التي يحتاجها اهل غزة الذين يتعرضون للتجويع و الابادة ..
و الحقيقة أن أكثر ما يدعو للاستغراب في مشهد محاصرة وقرصنة سفينة مادلين صمت الدول الاوروبية على اعتقال مواطنيها والتعاطي معكم كالمجرمين و من ذلك النائبة في البرلمان الاروربي ريما حسن الفرنسية من اصول فلسطينية والناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كانينغهام. الذين كانوا على سفينة تحمل العلم البريطاني ..
و لان الذاكرة لا تزال تقاوم كل محاولات تزييف فقد وجب التذكير أن سفنا اخرى كانت ابحرت الى غزة و منها سفينة مرمرة التركية التي شهدت مقتل عشرة من النشطاء المتطوعين على يد جيش الاحتلال الاسرائيلي و قبل نحو شهر هاجم كيان الاحتلال سفينة أثناء محاولتها الإبحار نحو غزة، ما تسبب في ثقب بهيكلها واندلاع حريق في مقدمتها…و قناعتنا أنه لولا الصمت و التواطؤ و غياب المسائلة و المحاسبة لما تجرأ هذا الكيان مرة اولى وثانية على مهاجمة صناع الامل الذين يتحدون الحصار ويتجهون الى غزة ..
و سيكون لزاما علينا التوقف لاستحضار سر تسمية سفينة مادلين نسبة لامرأة فلسطينية و مادلين كلاب أول صيادة في ميناء غزة ورثت المهنة عن والدها و هي في سن السابعة من العمر لتكون بعد ذلك جمعية لتدريب النساء على الصيد في غزة و كسب رزقهن من البحر و في ذلك أيضا تحية اكبار واجلال لكل نساء غزة و كل نساء فلسطين حارسات المعبد ووتد الخيمة وهن غارسات الامل و الصمود على الارض رغم المحن و المعاناة و رغم الاستهداف المستمر للمرأة الفلسطينية في وجودها و كيانها و هويتها و ماضيها و حاضرها و مستقبلها الذي يرتبط بمستقبل فلسطين ..
هناك اليوم على الارض مبادرة انسانية شعبية بعيدة عن مظلة الانظمة و الحكومات العربية و الغربية و هي تجسد صحوة ضمير و غضب و تمرد على المؤسسات الدولية العاجزة اختارت المقامرة و المغامرة للوصول الى غزة و هي تدرك أنها قد تتعرض للقصف و الغدر في المياه الدولية و لكنها لم تتخلى عن الرسالة و لم تخذل غزة و اصرت على مناصرتها بما تمتلكه من وسائل و في ذلك اقوى و انبل الردود على كيان الاحتلال الذب بات منبوذا يواجه اصابه الاتهام و يحاول ان يواري ما اصاب مصداقيته و سمعته من تراجع و انهيار لدى اكبر حلفاءه في الغرب الذين لم يتجاوزوا بعد مرحلة التنديد و ادانة توحش هذا الكيان ..و أيا كان مصير القافلة فان اهدافها تحققت و رسالتها بلغت اصقاع العالم بعد ان رددت كل شعوب الارض بكل لغات العالم لقد ان الاوان لايقاف الابادة و ان الاوان لايقاف تمويل هذا الكيان بالسلاح و الذخيرة و ان الاوان لفضح مجرم الحرب ناتنياهو وزمرته و ان الاوان لانصاف غزة و الضفة و كل شعب فلسطين ..أما عن جامعة الدول العربية فأحرى بها أن تراجع دروس الكرامة وتتعلم معاني ارادة الشعوب التي ترفض القهر والظلم ..
الاكيد أن غزة تسلمت الرسالة وغنت للسلام وأقرت بالجميل والعرفان لكل من ساهم في قافلة الصمود من شعوب الارض و أكد أهلها رغم المحن و رغم القتل و الابادة و التجويع أنهم عشاق للحياة و ليسوا عشاقا للموت و الدمار كما يدعي كيان الاحتلال ..
الان الحديث يجب أن يتمحور حول قوافل الصمود و شجاعة المشاركين و صدق ارادتهم للضغط و دفع العالم الى ايقاف الابادة في غزة و رفع الاصوات عاليا لا ليس باسمنا لا يمكن السماح للمحرقة أن تستمر..
*كاتبة وصحفية تونسية