اليمن الحر الاخباري/متابعات
قال الصحفي الفلسطيني البارز والمحلل السياسي العربي المعروف عبد الباري عطوان بان امريكا تتغير الى الاسوأ وذلك بفضل الاداء السياسي الارعن للرئيس الامريكي دونالد ترمب
واضاف عطوان في مقال تحليلي في صحيفة رأي اليوم التي يراس تحريرها بان ترمب يسير على خطى الرئيس السوفيتي الاسبق ميخائيل غورباتشوف الذي اطاح بالاتحاد السوفييتي بـ”البريسترويكا” التي تعني الاعتراف بالهزيمة امام الغرب، ورفع الرايات البيضاء بالتالي، وترامب يسير على هذا النهج ولكن بإدعائه العظمة والقوة والانتصار، ويجر أمريكا وشعبها الى النتيجة نفسها، وبسرعة هبوط الحجر من السماء الى هاوية الأرض…مؤكدا بان ترمب يستحق الشكر على هذا المعروف الذي يقدمه لمختلف شعوب العالم التي ذاقت طعم الويلات من قبل الادارة الامريكية واطماعها على مدى عقود طويلة
وفيما يلي نص المقال
امريكا تتغير الى الاسوأ..شكرا ترمب
عبد الباري عطوان
عملت معظم الإدارات الامريكية طوال الخمسين سنة الماضية على تغيير الكثير من الأنظمة التي تتعارض مع طموحاتها في الهيمنة بشقيها السياسي والعسكري، مثلما حاولت إعادة ترسيم حدود العديد من الدول، سواء بالغزو العسكري او العقوبات الاقتصادية، ويبدو ان السحر بدأ ينقلب على صاحبه، وباتت أمريكا كهوية، ودولة عظمى، هي التي تقف على اعتاب التغيير، ولكن للأسوأ.
الانتقال السلمي للسلطة “عمود المعجزة الامريكية” الرئيسي، ومثلما تكشف وقائع الانتخابات الأخيرة، الذي كان من ابرز إنجازات النظام الديمقراطي الغربي، يتلقى ضربات قوية، ويترنح من جرائها، وقد يسقط في أي لحظة، ويجر معه كل المراهنين على الحماية الامريكية سواء في أوروبا او في الشرق الأوسط، وربما زعزعة امن العالم واستقراره أيضا.
عندما يعلن مرشحا للرئاسة، وقبل نهاية الانتخابات، وإعلان نتائجها انه انتصر على خصمه، وسيذهب الى المحكمة العليا لحماية هذا الانتصار، فان هذه سابقة تكشف عمق الهاوية، وربما تفرخ سوابق أخرى اكثر خطورة، وتكون النتيجة أمريكا جديدة مختلفة غير تلك التي نعرفها ونعاني من سياساتها، ومظالمها.
غورباتشوف أطاح بالاتحاد السوفييتي بـ”البريسترويكا” التي تعني الاعتراف بالهزيمة امام الغرب، ورفع الرايات البيضاء بالتالي، وترامب يسير على هذا النهج ولكن بإدعائه العظمة والقوة والانتصار، ويجر أمريكا وشعبها الى النتيجة نفسها، وبسرعة هبوط الحجر من السماء الى هاوية الأرض.
اهلا بكم في “امارة” الرئيس ترامب، او مشيخته الجديدة الذي بدأ في وضع أسسها على هدي أصدقائه في منطقة الشرق الأوسط حيث الفوضى، والدول الفاشلة، والفساد وهيمنة الميليشيات المسلحة والديكتاتورية، فقد كان من المتوقع ان يجر ترامب هؤلاء الأصدقاء الى قيم التجربة الديمقراطية واسسها، حدث العكس تماما، وما نشاهده يتبلور على الأرض حاليا هو الدليل الأبرز على ما نقول.
لم نكن نتصور في أي يوم من الأيام ان نرى قوافل المتطرفين العنصريين البيض، انصار الزعيم الملهم ترامب تقود العربات المدرعة، المجهزة بمدافع ثقيلة، تتجول في المدن الموالية لخصومه الديمقراطيين وغير البيض بهدف ارهابهم، ولم نتوقع مطلقا ايضا ان تخلو ارفف متاجر بيع الأسلحة في معظم الولايات من البنادق الآلية الرشاشة والذخائر، وسط تقارير عن بيع حوالي 20 مليون قطعة سلاح في الأشهر الماضية فقط، الامر الذي يفسر ارتماء ترامب في أحضان لوبي السلاح، وعرقلة أي توجه لتغيير القوانين في هذا الشأن.
أمريكا التي نعرفها كـ”جنة” للمساواة والتعايش بين مختلف الأعراق والأديان في ظل حماية قانونية صارمة، تنزلق الى هاوية الحرب الاهلية، والاقتتال العرقي والمناطقي، والفضل في ذلك يعود الى الرئيس ترامب وتشبته بالسلطة، وغطرسته وفوقيته وابتزازه، ونعم الرجل.
المفارقة ان المثل الأعلى لترامب ليس قادة الإصلاح الذين وضع الإرث الديمقراطي الأمريكي الحالي وحفظه في دستور عصري، وانما خصومه ليس داخل أمريكا وانما في الصين وروسيا، أي شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، أي البقاء في السلطة مدى الحياة، رغم الفارق الكبير في تجارب البلدين وارثهما التاريخي، ونظرياتهما السياسية والاقتصادية التي جعلت منهما قوى عظمى منافسة.
تعمدنا ان نتجنب في هذا المقال الافتتاحي التطورات الاحدث للسباق الانتخابي، ومحتويات صناديق الاقتراع، ليس بسبب تأجيل اصدار النتائج النهائية، وانما لسبب بسيط، لأن هذه الانتخابات التي اتسمت تاريخيا بالمصداقية والسلاسة لم تعد كذلك، ولم يعد لها أي قيمة فعلية في إيصال الرئيس الفائز الى البيت الأبيض، فأدوات التحليل المتبعة حاليا باتت تنتمي الى مرحلة منقرضة وزمان آخر، وضعت الانتخابات الحالية التي جرت في الثالث من تشرين اول (نوفمبر) نهايتها، وأعلنت انطلاق مرحلة جديدة غامضة المعالم، لا يستطيع أي احد التنبؤ بملامحها.
أمريكا تتغير ولكن للأسوأ، وبشكل متسارع ويستحق الرئيس ترامب الذي وضع بذرة هذا التغيير ورعاها كل الشكر من الشعوب المقهورة التي عانت وتعاني من ظلم وغطرسة ومجازر هذه الدولة التي هَرمت وقد تفقد عظمتها قريبا.
نحن الذين عانينا، ونعاني، من هذه البلطجة الامريكية الابتزازية ليس لدينا ما نخسره بل ربما يكون انهيار أمريكا وتفككها بداية نهوضنا، وخروجنا من ازماتنا بأنواعها كافة.. والله اعلم.